لدى الهند وروسيا علاقات وثيقة، مع شراكة تعود إلى حقبة الحرب الباردة. وبعد فترة وجيزة من انهيار الاتحاد السوفييتي، بدأت نيودلهي في بناء علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة أيضاً. غير أن الأحداث في شبه جزيرة القرم جعلت البلاد تواجه وضعاً صعباً بعض الشيء. فقد أدى استيلاء روسيا على القرم من أوكرانيا إلى قيام الغرب بفرض عقوبات على روسيا. كما ردت روسيا أيضاً بمنع مسؤولين من عدد من الدول الغربية من دخول أراضيها. وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كذلك عقوبات على العديد من المسؤولين من روسيا وأوكرانيا ممن يواجهون اتهامات بضلوعهم في تحرك موسكو في شبه الجزيرة. حتى أستراليا أعلنت أنها بصدد فرض عقوبات مالية وحظر للسفر على عشرات من الشخصيات السياسية من المنطقة. ومن المتوقع أن تتفاقم المواجهة مع عدم ميل روسيا، بزعامة الرئيس «فلاديمير بوتين،» إلى التنازل عن موقفها. وفي بحثها عن الدعم، اقتربت روسيا من الصين والهند، بالإضافة إلى حلفائها التقليديين مثل فنزويلا ونيكاراجوا. وأجرى الرئيس بوتين هذا الأسبوع اتصالاً هاتفياً مع رئيس وزراء الهند «مانموهان سنج» لتقديم الشكر لما أبداه من «ضبط النفس والموضوعية» فيما يتعلق بقضية أوكرانيا والقرم التي برزت على الساحة خلال الأسبوعين الماضيين. وقد عارضت الحكومة الهندية فرض عقوبات ضد روسيا، حيث ذكر مستشار الأمن القومي « مينون شيف شانكار» في وقت سابق أن «الأمر ينطوي على مصالح روسية مشروعة ومصالح أخرى». ونقلت وكالة أنباء «برس تراست» الهندية شبه الرسمية عن مسؤولين بارزين في الحكومة الهندية القول إن نيودلهي «لم تدعم أبداً عقوبات أحادية الجانب ضد أي بلد فرضتها دولة أو مجموعة من الدول». وتأتي تلك التصريحات بعد أن عقدت الهند و روسيا مشاورات حول تطورات الأوضاع في أوكرانيا والاستفتاء الذي جرى في شبه جزيرة القرم مؤخراً. كما أنه جدير بالملاحظة أن القصة تأتي في وقت يشهد اضطراباً في العلاقات بين الهند والولايات المتحدة بسبب قضية الدبلوماسية الهندية «ديفاني خوبراجاد،» التي تعرضت للاعتقال والتفتيش الذاتي في أحد شوارع نيويورك بتهمة منح خادمتها أجراً زهيداً. وقد أدت هذه القضية إلى رد سريع من جانب الهند، ما أدى إلى إغراق العلاقات الهندية – الأميركية في حالة عميقة من التجميد. وقد سافر عدد من الشخصيات الأميركية البارزة إلى الهند خلال هذا الأسبوع لاستئناف الحوار الذي انقطع لفترة وجيزة. لكن الهند ما زالت تشعر بالغضب من الولايات المتحدة التي عاملت المسؤولة الهندية بطريقة اعتبرت ازدراءً للهند ودبلوماسيها. ومن غير المتوقع أن تعود العلاقات مع الولايات المتحدة إلى سابق عهدها لفترة من الزمن، خاصة مع اقتراب الهند من إجراء الانتخابات وفي سبيلها إلى تغيير الحكومة. وبينما يبدو أنه من غير المرجح أن تؤيد الهند روسيا بشكل واضح، إلا أن الحقيقة هي أن علاقات الهند بروسيا عميقة وتم اختبارها على مر الزمن. حتى وإن كانت الهند بدأت في شراء الأسلحة من إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أن روسيا لا تزال أكبر مورد للهند في مجال الدفاع. و روسيا هي المسؤولة عن تزويد الهند بنحو 60 بالمائة من احتياجاتها العسكرية. كما أنها أيضاً أول من ساعد نيودلهي على بناء محطة للطاقة النووية في جنوب البلاد. لقد كانت العلاقات المتنامية بين الهند والولايات المتحدة تمثل قلقا بشكل خاص لروسيا، التي كانت تتقدم على الدول الأخرى، ليس فقط في تزويد الهند بالعتاد العسكري ولكن أيضاً فيما يتعلق بإمداد الهند بالمفاعلات النووية والتكنولوجيا. ومؤخراً، أوضحت روسيا أن لديها الرغبة في تنشيط علاقاتها مع الهند. كما ذكر الرئيس بوتين في إحدى المقالات التي نشرتها صحيفة هندية في وقت سابق أن تعميق العلاقات مع الهند يأتي على رأس «أولويات» سياسته الخارجية. وفي شهر ديسمبر، 2010، تم رفع الشراكة الاستراتيجية بين البلدين إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية الخاصة والمميزة.» وعلى الرغم من أن العلاقات الهندية الروسية قد أثبتت متانتها، إلى أن حجم التجارة بين الدولتين ما زال يشهد تباطؤاً. ففي عام 2012، ارتفع حجم التبادل التجاري بنحو 24.5 بالمائة فقط ليبلغ 11 مليار دولار، بينما تخطى حجم التجارة مع الصين 60 مليار دولار. وتطمح الهند وروسيا حالياً إلى أن تبلغ قيمة تجارتهما البينية إلى 20 مليار دولار بحلول عام 2015، وهي قيمة متواضعة مقارنة بحجم التجارة مع الصين. إن أزمة شبه جزيرة القرم تعتبر اختباراً للدبلوماسية الهندية، وبينما أوضحت الهند موقفها بأنها لا تؤيد العقوبات أحادية الجانب ضد روسيا، غير أنه من المتوقع أن تزداد الأزمة عمقاً ومن المرجح أن يكون لها تشعبات في بقية أنحاء العالم أيضاً. وفي الواقع فقد يقترب تأثير هذه الأزمة من نيودلهي إذا كان للتحرك الروسي تأثير على الخلافات في بحر الصين الجنوبي، حيث تتشارك اليابان وفيتنام والفلبين في نزاع مع الصين بشأن الحقوق الإقليمية في البحر. وقد أبرزت بعض الصحف الهندية بالفعل فشل الولايات المتحدة والنظام الدولي في وقف قوة عظمى من انتزاع أراض تقع تحت سيطرة دولة أخرى، واصفين الأمر بأنه يدعو إلى القلق. وبينما يشكل هذا الأمر وضعاً دبلوماسياً معقداً بالنسبة للهند، إلا أنه من الواضح أيضاً أنه يمثل فرصة لنيودلهي، التي تميل عادة إلى عدم قول أو فعل أي شيء، لاستخدام نفوذها الدولي في قضية قد يكون لها تداعيات في جميع الأنحاء، وليس من المرجح أن يتم حلها في أي وقت قريب.