في مواجهة تراخي الكونجرس، يدور الجدل حول الحد الأدنى للأجور على المستوى المحلي. وتفكير الكثير من المدن والمقاطعات في وضع معايير خاصة بهم للأجور. ومنذ منتصف الثمانينيات، رفعت الولايات الحد الأدنى للأجور المحلية. وتوجد حالياً 21 ولاية (من بينها واشنطن دي سي) لديها حد أدنى للأجور يزيد على المستوى الفيدرالي (25ر7 دولار)، وتقوم 11 ولاية منها برفع هذا الحد سنوياً لمجاراة التضخم. وتسجل واشنطن حالياً أعلى المعدلات (32ر9 دولار)، بينما قررت كاليفورنيا رفع الحد الأدنى إلى 10 دولارات اعتباراً من 1 يوليو 2016. وقامت أكثر من 120 مدينة ومقاطعة بوضع قوانين تحدد معايير الأجور، يتراوح بعضها بين 12 و15 دولاراً. وعادة ما تطبق المعايير الأعلى على موظفي خدمات المدينة، مثل حراس الأمن والحدائق العامة والعمارات. وبينما يشكل تأثير هذه القوانين أهمية كبيرة على العمال الفرديين، فإنه يصعب الوصول إليها بالقدر الذي يجعل تأثيرها يمتد لسوق العمالة منخفضة الأجر ككل. ولهذا السبب، فإن المدن والمقاطعات تعكف حالياً على وضع سياسات تحدد مستويات الحد الأدنى للأجور وتغطى كافة الخدمات والأعمال بالمنطقة. وتتباين قيمة الحد الأدنى للأجور في مختلف الولايات مثل «ألباكر كي» (60ر8 دولار) و«سان فرانسيسكو» (74ر10 دولار) و«سان خوسيه» و«كاليفورنيا» و«نيومكسيكو» و «واشنطن دي سي». أما مقاطعة «كولومبيا،» التي رفعت الحد الأدنى للأجور بها إلى 50ر11 دولار، فقد انضمت لمقاطعتين مجاورتين بـ«ميريلاند» لوضع معايير إقليمية. كما تستعد مدن كثيرة غيرها لكي تحذو حذوها. فولايات «ريتشموند» و«كاليفورنيا» و«أوكلاند» و«سياتل»، تفكر جدياً في تحديد حد أدنى للأجور خاص بها، حيث تقوم «ريتشموند» برفع الحد الأدنى بها إلى 30ر12 دولار بحلول 2017، وتهدف «أوكلاند» إلى رفعه إلى 25ر12 دولار و«سياتل» إلى 15 دولاراً. ومع عودة الحوار الوطني إلى الروتين الممل نفسه، فإن الولايات والمدن أصبحت مختبراً للديمقراطية. فهل هي على المسار الصحيح؟ لقد ظللنا نبحث في هذه القضية طوال 15 عاماً، كما تعرضنا بالدراسة لمدينة «سان فرانسيسكو» التي أقرت العديد من قوانين معايير العمل منذ أواخر التسعينيات. وبعد إضافة تأثيرات القوانين المحلية الأخرى التي تأمر أرباب العمل بدفع مقابل للإجازة المرضية ونفقات الرعاية الصحية، أصبح الحد الأدنى لمعيار التعويض في الشركات الكبرى يبلغ 13 دولاراً. وتظهر دراساتنا أن تأثير هذه القوانين على أجور العمال (والحصول على الرعاية الصحية) هو تأثير قوي وإيجابي، ولم يتحقق أي من التوقعات المفجعة بفقدان العمل. كما توصل البحث في جامعة «نيومكسيكو» حول الحد الأدنى بمدينة «سانتافي» (حالياً 66ر10 دولار) إلى نتائج مشابهة. هذه ليست حالات منفصلة، فقد أكدت الأبحاث التي أجريت حول تأثيرات معدلات الحد الأدنى للأجور عبر حدود الولايات المتحدة النتائج التي توصلت إليها أبحاث المدينة نفسها. لكن كيف يمكن تجنب التأثير السلبي لزيادة الحد الأدنى للأجور على العمالة؟ وفقاً لنظرية اقتصادية، فإن الزيادة في أجور الأيدي العاملة من شأنه أن يقلل من طلب أرباب العمل على العمالة. ومع ذلك، فإن الأمر لا يقف عند هذا الحد. يجب أن يشمل التحليل الكامل أساليب مختلفة لاستيعاب تكاليف العمالة، بما في ذلك تحقيق وفورات نتيجة انخفاض دوران الأيدي العاملة وتحسين الكفاءة، إلى جانب ارتفاع الأسعار وانخفاض الأرباح. وبالتالي، فإن الاقتصاد الحديث ينظر إلى تأثير رفع الحد الأدنى للأجور على العمالة باعتباره مسألة لا يمكن تحديدها من خلال نظرية، ولكن من خلال التجربة. وتوضح الأبحاث التي أجريت كيف تستوعب الشركات الحد الأدنى للأجور في الصناعات ذات الأجور المنخفضة. والمعايير الأعلى يكون لها تأثير فوري على انخفاض دوران الأيدي العاملة، مما يؤدي إلى وفورات كبيرة في التكلفة. كما تؤدي الزيادة في الحد الأدنى للأجور إلى ارتفاعات طفيفة في الأسعار، خاصة في المطاعم التي تستخدم بكثافة العمال من ذوي الأجور المنخفضة. فزيادة بنحو 10 بالمائة في الحد الأدنى للأجور، تؤدي إلى زيادة قيمتها 7ر0 سنت لكل دولار في أسعار المطاعم. أما زيادة الأسعار في معظم القطاعات الأخرى، مثل التجزئة، فهي طفيفة للغاية ولا يمكن ملاحظتها، ويرجع السبب في ذلك جزئياً إلى أن قطاع التجزئة يدفع أكثر من المطاعم. وحتى لو عمل الكونجرس أخيراً على رفع الحد الأدنى الفيدرالي للأجور، فإن المستويات الأعلى بالولاية والمستوى المحلى سوف تكون منطقية. ولن يفاجأ أحد بارتفاع تكاليف المعيشة في المدن عنها في المناطق الريفية. فهي عادة ما تتباين بين المدن الولاية نفسها. ونجد على سبيل المثال أن الأسعار في منطقة مترو مدينة نيويورك أعلى بنحو 26 بالمائة منها في ولاية «تيكا» الشمالية، والتكاليف في منطقة مترو «سان خوسيه» أعلى بحوالي 30 بالمائة مقارنة بمدينة «إلسينترو» بجنوب شرق «كاليفورنيا». وعلى صناع القرار وضع هذه التباينات في الاعتبار. هذه ليست فكرة نظرية فحسب، فقد شكلت سياسة طويلة المدى في اليابان. فالحد الأدنى للأجور في «طوكيو» و«أوساكا» أعلى بنحو 30 بالمائة مقارنة بالمناطق التي تقل بها تكاليف المعيشة. وهناك مقياس آخر يمكن لأرباب العمل من خلاله استيعاب الأجور الأعلى، وهو مقارنة الحد الأدنى للأجر بالأجر الوسيط أو المتوسط. فخلال الستينيات والسبعينيات، كانت نسبة الحد الأدنى للأجر المتوسط في الولايات المتحدة تتراوح بين 14 و55 بالمائة. ومنذ منتصف الثمانينيات، انخفضت لتتراوح بين 33 و39 بالمائة. ورفع الحد الأدنى للأجر إلى 10ر10 دولار، كما اقترح الرئيس أوباما في مطلع هذا العام، سوف يعيد النسبة إلى 50 بالمائة. وبعبارة أخرى، بينما تبدو بعض المعدلات المقترحة مرتفعة بالمعايير الوطنية، فإنها تبدو منطقية عند مقارنتها بمستويات الأجر المحلية. ------ مايكل رايخ و كين جاكوبس كاتبين أميركيين متخصصين في الشؤون الاقتصادية ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»