يوشك قرار سحب سفراء كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين من قطر على دخول شهره الثاني، ولا تبدو هناك مؤشرات إيجابية على أن الدوحة بصدد التراجع عن موقفها، رغم بعض الجهود والوساطات الخليجية المتكررة. الحكومة القطرية مصرة على موقفها، وهي غير مهتمة بالعودة للالتزام بسياسة مجلس التعاون. وحينما ترى الدوحة أنه لا يمكن حل الخلاف بالطريقة التي يطرحها الجميع، يكون السؤال: وأي طريقة تريدها قطر؟ وأي موقف تراه مناسباً لها؟ هل هي مع سياسة مجلس التعاون واتفاقياته التي وقعت عليها منذ ثلاثة عقود، أم مع من يريد تمزيق دول الخليج العربي وتفتيتها والهيمنة عليها؟ ألا ترى قطر المخاطر والمؤامرات التي تحيط بدول الخليج من كل جانب؟ الكثير من الناس في دول مجلس التعاون يتساءلون عن ذلك الموقف الذي تنتهجه قطر منذ عام 1995، والذي يناقض أعراف مجلس التعاون في تسوية الخلافات السياسية بين أعضائه. إن الخلاف وارد بين الأشقاء، لكن ليس على نحو يهدد منظومة الأمن الخليجي، ويُفقد أعضاءها الثقة في أحدهم، فانعدام الثقة بين الأشقاء خطير جداً، لاسيما أن السياسة القطرية، وفق غالبية المحللين، تتصرف نحو أشقائها الخليجيين من منظور القواعد الثلاث: القاعدة الجوية الأميركية في «العديد»، والتي حولت قطر منذ منتصف التسعينيات، حسب الكاتب الأميركي وليام أركن، إلى واحد من أكبر مخازن الأسلحة والعتاد في العالم. ثم القاعدة الإعلامية المتمثلة في قناة «الجزيرة» التي أصبحت سلاحاً ضد كل من يخالف قطر في الرأي أو الموقف. أما الثالثة فهي القاعدة «الدينية» المتمثلة في جماعة «الإخوان المسلمين». خبراء علم الاستراتيجيات يقولون إن الكيان الإقليمي الذي يضم مجموعة من الدول لابد أن يتطور في تعامله مع مفهوم الأمن القومي، لاسيما في جانبه السياسي، والسبب أن هذا المفهوم يتغير بفعل الأحداث والتحولات الداخلية والخارجية، والتي قد يهدد بعضها ذلك الكيان الإقليمي نفسه، وهذا ما تحاول دول مجلس التعاون التصدي له، بينما تقف قطر عائقاً أمام محاولاتها. والحقيقة أن أمن الخليج اليوم مستهدف، وهي حقيقة في غاية الخطورة ولا يمكن المساومة حيالها، والاستهداف الذي ينبغي التحوط له لن يكون سهلا كما يتصور البعض، إذ لا تنفع معه الحروب التقليدية. إنه استهداف يتمثل في تصدير الأزمات وتحريك الخيوط من الداخل بواسطة الوكلاء المحليين والمنظمات المشبوهة، سعياً لزعزعة الاستقرار وافتعال الأزمات من خلال ضرب أبناء الشعب الواحد بعضهم ببعض، تمهيداً للتدخلات الخارجية. إن شعب الخليج العربي يأمل أن تغير الدوحة موقفها الحالي، وأن ينجح قادة دول مجلس التعاون في حل الخلافات القائمة، وأن يتجسد التلاحم الذي صنعه مجلس التعاون بين قادته وشعوبه. فالتعاون والتماسك والوحدة.. هي السبيل الوحيد لمواجهة التحديات والمخاطر التي قد تهدد أمن الخليج العربي، والأغلبية اليوم مقتنعة بأن الانتقال إلى الاتحاد الخليجي تحت راية واحدة، هو أهم ما يجب العمل على تحقيقه، باعتبار أن ذلك هو أحد الثوابت المهمة والأساسية في أجندة العمل الخليجي.