يُجمع العديد من المُحللين على أن عام 2014 هو أشد أعوام الأمة العربية «عجافاً» من ناحية العلاقات العربية العربية! ولقد كانت حسابات (الربيع العربي) غير دقيقة، لدرجة واضحة، إذ أثبتت الوقائع أن سقوط الأنظمة الديكتاتورية لا يعني تحرر الشعوب من حالات القهر والاستعباد والفقر والسطو على المُقدرات، أو تحررها من الخوف، نظراً لانتشار الفوضى وغياب الأمن، بل إن المُعادل الأوضح لذلك السقوط هو ظهور «ديكتاتوريات» جديدة التهمت الثورات أو «اختطفتها»، حسب ظروف كل بلد. فهنالك بلدان عربية ظهرت فيها العصبية القبلية وروح الانتقام، وأخذت قبائل تقتطع من أراضي الوطن بكل ما فيها من أجهزة الدولة ومبانيها وثرواتها!. وهذا تصرّف غير حضاري ولا يليق بشعوب ثائرة، لأن تلك الأجهزة والمباني والثروات ملك لعموم الشعب. وهنالك بلدان كشفَ (الربيع العربي) الغطاء الموضوع فوق رأسها منذ ستين أو سبعين عاماً، فأطلت برأسها نحو الكرسي «المأمول» بعيداً عن أهداف الثورة واستحقاقاتها. فصار أن انقسمَ الشعب فيها و«انتحر» من أجل الكرسي. وهناك بلدان تراجع فيها الاقتصاد والخدمات الأساسية، وزادت فيها مساحات العنف والتهجير، وظلت شعوبها عالة على المجتمع الدولي. وهناك بلدان «ضلت» طريقها بعد الثورة، ولم تعد تعرف إلى أين هي تسير؟! وكان لابد من أن يكون لتلك التغيّرات– بكل نتائجها– أن تؤثر على البلدان الأكثر استقراراً والأكثر اطمئناناً والأكثر كرماً ، وهي دول الخليج العربية، التي ظلت الدولة فيها لأكثر من ستين عاماً هانئة وبعيدة عن كل الإشكالات العربية ، وكانت دوماً الساعية إلى التهدئة ولم الشمل وإغاثة الملهوف وتقديم العون لكل الشعوب المحتاجة، وأيضاً لـ «ملوك الطوائف» عندما يختصمون ويحاولون حرق بلدانهم ، فتكون دول الخليج الملجأ والصدر الأحنّ. ولكن أيضاً– مع انزياحات التطورات السياسية في العالم العربي– لم تسلم دول الخليج من التداعيات الخطيرة و«المتوحشة» و«المتعطشة» للفوضى والدمار، ومن التجاذبات هنا وهناك، ما أدى إلى عدم اتفاقها على معالجة الأوضاع في هذا البلد أو ذاك، على الرغم من إيماننا بمبدأ السيادة الكاملة، لأية دول في سياساتها الخارجية. فصار أن « شجَرَتْ» الاختلافات كـ«صدىً للأوضاع في الدول "الثائرة". ولقد صدر مؤشر عالمي حول الاستقرار في العالم، أكد أنه لا توجد دولة عربية– عام 2013– تدخل ضمن الدول المستقرة، ويستثني المؤشر 9 دول ويضعها في خانة الدولة متوسطة الاستقرار، وأن 76% من العرب يعيشون في دول تُعدّ غير مستقرة بنسبة عالية أو عالية جداً». وإذا كانت الدول العربية– في الأغلب – تعاني مشاكل داخلية– كلٌ حسب ظروفه وإمكانياته- فإن تأثير العلاقات الخارجية– إقليمياً ودولياً– خاصة في المقاربات الجيوسياسية، وما تعلق بالجوار مع العدو الصهيوني، أو ما تعلق بالجوار مع إيران، أو ما تعلق بالجوار مع سواحل أفريقيا الجنوب شرقية، فإن (المغناطيس) الأكثر جذباً وقوة يتمثل في العلاقات مع الولايات المتحدة، ومدى انجذابها لهذا القطر أو ذاك. عام 2014 هو عام التشتيت العربي فعلاً ! فنلاحظ «هدوء» العلاقات بين جميع الدول العربية بلا استثناء، وقلة الزيارات لقادتها، و«تجميد» بعض المشاريع التنموية، نظراً لعدم استتباب الأمن في الدول التي خرجت من مخاض «الثورة». فدول الخليج العربي لا ترى في الحكومة العراقية عامل استقرار ورخاء للعراق، ومصر ترى أن الاتجاه نحو الجيش من متطلبات المرحلة بغض النظر عن المآلات السياسية التي حدثت خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وسوريا ما زال نظامها معزولاً عن العالم العربي، وما زال شعبها يموت يومياً ويعيش في المنافي منذ نحو ثلاثة أعوام، ويعاني باقي الشعب من حملات (براميل النار) التي يسيرها النظام فوق رؤوس المواطنين. واليمن– بعد رحيل علي عبدالله صالح– غير قادر على التصالح مع نفسه، رغم محاولات تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين حول تشطير اليمن! ولبنان نشطت فيه التفجيرات والتفجيرات المضادة ، وأصبح سقوط الضحايا مشهداً عادياً . و(الفلسطينيتان: غزة ورام الله) لم يبد في الأفق أية ملامح تصالحات بينهما، والحصار الإسرائيلي يفرض نفسه على غزة. وتونس والصومال وليبيا وغيرها لم نلحظ فيهما اكتمال المؤسسات بعد الثورة، بل إن بعض هذه الدول ما زالت تعاني شبح الانقلابات وضياع الأمن فيها. فكيف للشعوب العربية أن تنعم أو تحلم بعام جديد، وقد «سُرق» منها المُستقبل، تماماً كما «سُرقت» أحلامها الثورية!؟