قال الفيلسوف والشاعر الأميركي «جورج سانتايانا»، إن «هؤلاء الذين ينسون الماضي محكوم عليهم بتكراره»، ولكن عندما يتعلق الأمر بروسيا وأوكرانيا، لا يبدو أن قادة الغرب بإمكانهم تقرير أي قرن عليهم تذكر دروسه. فعندما غزت قوات «بوتين» شبه جزيرة القرم، رأى وزير الخارجية الأميركي في البداية أن هذا التصرف «ينتمي للقرن الـ19 وليس القرن الـ21»، وبعبارة أخرى، أن قواعد القرن الـ21 الخاصة بعالم مترابط تمنع القيام بأي عمل رجعي، مثل الاستيلاء بالقوة على أراض أوروبية، لقد كان كيري مندهشاً لدرجة أنه لم يشر إلا إلى طرد روسيا من نادي مجموعة الثمانية للدول الصناعية عقاباً لها. والمشكلة في تقبل تحذير «سانتايانا»، هي أن التاريخ لا يعيد نفسه مطلقاً بنفس الأسلوب. فأي محاولة لتأسيس الاستراتيجية الحالية، استناداً إلى ما حدث منذ ما يقرب من 75 – 100 سنة ماضية من المرجح أن تنتهي على نحو سيئ بالنسبة لكافة الأطراف المعنية. نعم، لقد أعاد بوتين إلى أوروبا مفهوم ما قبل 1945 فيما يتعلق بضم الأراضي بالقوة – الأمر الذي لم يسبق له مثيل منذ بداية العصر النووي. وهو لا يستطيع تبرير هذا الإجراء من خلال زعمه أن من واجبه حماية الناطقين بالروسية خارج روسيا (الذين لا يواجهون أي مخاطر). «هذا يشبه القول إن فرنسا عليها واجب حماية الناطقين بالفرنسية في بلجيكا أو سويسرا» بحسب ما قال «فرانسوا هايسبورج» مدير المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية. والفكرة لا تكمن في الانخراط في حرب مع روسيا، ولكن في إقناع بوتين أنه سيواجه عواقب وخيمة في حالة غزو أوكرانيا – أو محاولة ضم أجزاء من غيرها من الدول الشيوعية السابقة المجاورة. إنني أتفق مع الزميل بالمجلس الأطلسي «أدريان كاراتنيشكي» الذي عاد لتوه من أوكرانيا، والذي يقول إن بوتين لن يفطن حتى يرى التراجع الحقيقي، إنه فقط يحترم القوة»، وحتى الآن، فإن الإشارات القادمة من الغرب ضعيفة للغاية لكي تؤثر في الزعيم الروسي. وفي الواقع، فإن القيود التي فرضتها الولايات المتحدة على تأشيرة الدخول بالنسبة لعدد من المسؤولين الروس المقربين لبوتين، وكذلك تجميد أصولهم قد تسببت في حدوث اضطراب في أسواق المال الروسية وإزعاج المستثمرين الأجانب، ولكن الدول الأوروبية، التي تعتمد بشكل كبير على الغاز والاستثمارات والأسواق الروسية، أصبحت أكثر تردداً، ومع ذلك، فإن أوروبا في وضع جيد يسمح لها بفعل الكثير. وعلى المدى القصير، لن يكون بوسع بوتين استخدام التهديد بقطع الغاز بمصداقية لإثناء أوروبا عن القيام بإجراء كبير. «إذا كنا في شهر ديسمبر، لأصبحت أوروبا خائفة، لكننا في فصل الربيع»، ما يعني انخفاض الطلب على الغاز، كما ذكر «ميخائيل كرتشمكين،» المدير التنفيذي لشركة «شرق أوروبا لتحليل الغاز» وهي شركة استشارية في «مالفيرن» وإلى جانب ذلك، فإن أوروبا لديها مخزون احتياطي كبير، وعلاوة على ذلك، فإن أي تهديد بإيقاف الغاز يعني إلحاق الهزيمة بروسيا، حيث إن موازنة موسكو تعتمد على عائدات الغاز. يقول كرتشمكين، إن «أوروبا بإمكانها المواصلة لمدة ستة أو ثمانية أشهر، ولكن شركة غاز بروم (شركة الغاز المملوكة لروسيا، والتي تغذي أرباحها الكرملين) لا تستطيع.» هذا إلى جانب أن ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة - التي حولتها من مستورد للغاز إلى مصدر له في القريب العاجل – قد غيرت ميزان الطاقة العالمي؛ وهذا يعني أن هناك مصادر أخرى متاحة لأوروبا في أماكن أخرى. وعليه، فإن زعماء الغرب هم الذين يجب عليهم التلويح بسلاح الطاقة عند اجتماعهم في أوروبا (إلى جانب تعهدهم بتقديم مساعدات اقتصادية كبيرة لأوكرانيا، إلى جانب أسلحة لاستخدامها في الدفاع عن النفس). كما يتعين على الاتحاد الأوروبي طرح خطط تفصيلية لاستراتيجية أكثر تنسيقاً للغاز تجعلها أكثر استقلالاً عن «غازبروم» ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي إنترناشونال»