في سابقة ربما تكون الأولى من نوعها، أعلنت حكومة غينيا على لسان وزير الصحة، عن قرار رسمي بحظر بيع واستهلاك الخفافيش، أو الوطاويط، وبالتحديد ما يعرف بخفاش الفواكه، والذي يعتبر من المقبّلات والمشّهيات في هذا البلد الأفريقي الواقع في أقصى غرب القارة السمراء. ويأتي هذا القرار الحكومي، بعد أن وصل عدد ضحايا فيروس الإيبولا، الذي يعتقد أن خفاش الفاكهة يشكل المخزن والحامل الرئيسي له، إلى أكثر من اثنين وستين شخصاً، مع تواتر التقارير عن وصل الفيروس لحدود الدول المجاورة، وبالتحديد ليبيريا وسيراليون، والاشتباه في حالة وصلت إلى كندا. والإيبولا مرض معد، يعرف علميا باسم مرض الحمى النزفية الفيروسية، حيث يعتبر النزيف الداخلي والخارجي من أهم علاماته وأعراضه، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الأعراض الشبيهة بأعراض الإنفلونزا، مثل الحمى، والرعشة، والإرهاق العام، وآلام المفاصل والعضلات. وغالباً ما يتصاحب المرض مع إسهال شديد، وأعراض تدل على إصابة الجهاز التنفسي، مثل الكحة، والتهاب الحلق، وصعوبة التنفس، أو على إصابة الجهاز العصبي المركزي، مثل الارتباك، والتهيج، ونوبات التشنج، والغيبوبة أحياناً. وينتقل الفيروس غالبا عن طريق الدم، من خلال استخدام الحقن الملوثة مثلاً، وعن طريق سوائل الجسم بين الأشخاص المتقاربين، وربما أيضا من خلال طرق أخرى غير معروفة أو مفهومة بالكامل حالياً. وينتشر الفيروس بشكل رئيسي في دول وسط القارة الأفريقية، من الشرق إلى الغرب، وتصنف أنواعه على حسب دولة المنشأ، إلى النوع «الإيفواري»، والسوداني، والزائيري، والذي يعتبر أخطر الأنواع على الإطلاق، بنسبة وفيات تتخطى تسعين بالمئة بين المصابين، وهو أيضاً النوع المسؤول عن أول وباء معروف للفيروس ظهر عام 1976 في زائير، والتي تعرف حالياً بجمهورية الكونغو الديموقراطية. ويعتبر هذا الوباء الأخير في غينيا وغرب أفريقيا من فيروس الإيبولا، الحلقة الأخيرة من مسلسل أوبئة الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان. فطوال فترات التاريخ البشري المختلفة، شكلت الحيوانات مصدراً مهماً ومتجدداً لمجموعة من الأمراض المتنوعة التي تصيب الإنسان، وهي النوعية المعروفة بالأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوانات (Zoonosis)، والتي يمكن تعريفها على أنها أي مرض معد، يمكنه الانتقال من الحيوانات، سواء المستأنسة أو البرية إلى الإنسان، إما مباشرة أو عن طريق ناقل من الحشرات، أو أن تنتقل، على العكس، من الإنسان إلى الحيوانات. وبشكل أكثر دقة، هي الأمراض التي تصيب غالباً الحيوانات، ويمكنها أيضاً إصابة الإنسان. ويبلغ تعدد وتنوع أمراض هذه المجموعة درجة أنها أدت إلى ظهور تخصص وفرع جديد ومستقل في العلوم الطبية (Conservation Medicine)، يجمع بين الطب البشري والطب البيطري والعلوم البيئية، ويعنى بدراسة العلاقة بين صحة الإنسان، وصحة الحيوان، والظروف البيئية التي يعيش فيها كلاهما. وربما كان من السهل إدراك أهمية وفداحة هذه الطائفة من الأمراض، بالنظر إلى ما تتضمنه من قتلة معروفين؛ مثل الجمرة الخبيثة، والكوليرا، وجنون البقر، والإيبولا، والطاعون، والسعار أو داء الكلَب، وحمى الوادي المتصدع، وفيروس النيل الغربي، والحمى الصفراء، ومؤخراً إنفلونزا الخنازير، وإنفلونزا الطيور. وحتى بعض الأمراض التي أصبحت إنسانية صرفة لحد كبير؛ مثل الحصبة، والجدري، والإنفلونزا العادية، وفيروس البرد الشائع، وفيروس الإيدز، وميكروبات الدفتريا، ومرض السل، يعتقد البعض أيضاً أنها ذات أصول حيوانية كذلك. هذه الأمراض، لا تشكل إلا جزءاً بسيطاً من الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان، والتي يتخطى عددها العشرات من الأمراض غير الخطيرة أحياناً، أو الخطيرة جداً أحياناً أخرى. ومؤخراً، وكنتيجة لظاهرة العولمة، وسهولة السفر بين الدول والقارات، اتخذت هذه الأمراض بعداً خاصاً، متمثلاً في قدرتها على الانتقال بين دول وأصقاع الأرض، وفي غضون ساعات قليلة. فقبل زمن ليس بالبعيد، كانت الكثير من الأمراض الحيوانية-الإنسانية، محصورة في أدغال أفريقيا، أو داخل غابات آسيا، حيث كانت تصيب السكان والمجتمعات المحلية فقط. ولكن كما هو واضح من الحالة المشتبه بها في كندا من الإيبولا، وتطاير فيروس «الكورونا» الجديد، المسؤول عما يعرف بمنظومة الشرق الأوسط التنفسية أو «الميرس»، من السعودية إلى قطر، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وتونس، ومن قبله فيروس إنفلونزا الخنازير، وفيروس إنفلونزا الطيور، والذين تحولا إلى طارئ عالمي في غضون وقت قصير، ليس من الصعب إدراك حقيقة أن الحدود السياسية، أو الجغرافية، أو حتى تباعد وتقاصي الدول والشعوب، لا زال يشكل مانعاً أمام الأمراض المعدية، من التنقل بكل سهولة ويسر بين دولة وجارتها، أو بين قارة وأخرى. وهو ما يتطلب تضافر الجهود الدولية، على صعيد المكافحة والوقاية من تلك الأمراض، حتى بين الدول التي لم تصل بعد هذه الأمراض إلى شواطئها، أو لداخل حدودها. كون الإحساس الزائف بالأمان، قد يتغير بشكل دراماتيكي، بعد وقت قصير من هبوط طائرة قادمة من دولة قصية، تحمل على متنها راكباً لم تظهر عليه بعد أعراض، أو علامات مرض معد خطير. د. أكمل عبد الحكيم