تحاول الجمعية الأميركية لتقدم العلوم أن تنشر الوعي بشأن تغير المناخ بين قطاعات أكبر من الأميركيين، وذلك تزامناً مع صدور تقرير يرُكز على تفسير واضح ومبسط ميسور الفهم عن الأدلة على تثبت وجود الظاهرة المناخية. ومسعى الجمعية جدير بالثناء وضروري، لكن ماذا لو كانت المشكلة أعمق من مجرد بساطة اللغة؟ فبيانات استطلاعات الرأي المتوافرة تشير إلى أن وجهات نظر الأميركيين عن تغير المناخ تتعلق بالسياسة أكثر مما تتعلق بالعلم ومصطلحاته، وكان من المعتاد أن يتفق «الجمهوريون» و«الديمقراطيون» بشأن الحاجة إلى قوانين أشد صرامة لحماية البيئة. فهناك أكثر من 90 في المئة من المشاركين في استطلاعات الرأي أيدوا فكرة تشديد قوانين حماية البيئة عام 1992. وبعد ذلك بعقدين ظلت نسبة «الديمقراطيين» الذين قالوا إنهم يؤيدون حماية بيئية أشد أعلى من 90 في المئة. لكن نسبة «الجمهوريين»، الذي يؤمنون بالرأي نفسه انخفضت بنحو النصف إلى 47 في المئة. وقال مركز «بيو» البحثي لاستطلاعات الرأي الذي أجرى المسح إن حماية البيئة يمكن وصفها بأنها «أكثر مناطق الاستقطاب فصلاً» بين المنتمين للحزبين الكبيرين خلال هذه الفترة الزمنية. والمثير في هذا التغير في الآراء أنه مهما يكن من أمر ما يعتقده المرء عن قوة الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ عام 2012، فإن التحيزات الحزبية أكثر قوة عما كانت عليه عام 1992. لذا فحتى بعد أن أصبح موقف العلم أكثر وضوحاً فإن تأييد «الجمهوريين» لبذل المزيد من الجهود للتصدي لتغيير المناخ ينخفض. وبيانات استطلاعات الرأي التي نشره هذا الشهر معهد «جالوب»، أكدت بشكل أكبر على هذا الانقسام الحزبي. فقد توصلت جالوب إلى أن 36 في المئة من «الديمقراطيين»، أشاروا إلى تغير المناخ باعتباره أمراً يثير قلقهم مقارنة مع 10 في المئة فقط من «الجمهوريين» الذين يعتقدون هذا الرأي نفسه. والمجال الوحيد الآخر الذي يتفوق على هذا فيما يتعلق بالتباين بين الحزبين هو مجال حجم وقوة الحكومة الاتحادية، وما يتبع هذا من رأي يتسق معه في الإنفاق الاتحادي والعجز في الموازنة. ووجد معهد «جالوب» فجوة أكبر حتى عندما طرحت سؤالا بشأن تأثيرات تغير المناخ. فعندما سئل المشاركون في استطلاع الرأي إذا ما كان ارتفاع درجة حرارة الكوكب قد بدأ بالفعل، أجاب 73 في المئة من «الديمقراطيين» بالإيجاب مقارنة بنسبة 36 في المئة فقط من «الجمهوريين» ووصف 56 في المئة من «الديمقراطيين» المشكلة بأنها تهديد خطير لنمط حياتهم مقارنة بنحو 19 في المئة من الجمهوريين الذين يتبنون هذا الرأي نفسه. وقال ثلث كامل من «الجمهوريين» إن ارتفاع درجة حرارة الكوكب لم يحدث قط، وهو الرأي الذي لا يتبناه إلا ثلاثة في المئة فقط من «الديمقراطيين». وعادة يختلف «الجمهوريون» و«الديمقراطيون» حول القضايا التي تتعلق بالقيم مثل إذا ما كان ينبغي على الحكومة أن تقدم التأمين الصحي للذين لا يقدرون على الحصول على الرعاية الطبية بغير هذا التأمين. لكن الاختلافات الكبيرة بشأن القضايا التوصيفية وهي القضايا المتعلقة بالملاحظة والحقائق وليس بالتفضيلات الحزبية يشير إلى أن هناك شيئا» آخر يحدث. وأحد التفسيرات المحتملة للاختلافات في القضايا التوصيفية قد يكون أن «الجمهوريين» ليسو إلا أسوأ بشكل واضح من «الديمقراطيين» في استيعاب وفهم حقائق العلوم. لكن هذا تفسير عبثي و«الديمقراطيون» الذين يقطعون بهذا الاستنتاج لن يزيدوا هذا الجدل إلا صعوبة. وأحد التفسيرات المحتملة الأخرى هي أن «الجمهوريين» يتعرضون لخداع إما من وسائل الإعلام أو من قادتهم في الرأي أو ممثليهم السياسيين. وهذا استنتاج مغر لكنه محدود للغاية فيما يبدو. فمن المؤكد أن الليبراليين والمحافظين يشاهدون محطات تلفزيونية مختلفة، لكنهم لا يعيشون في بلدان مختلفة. وتوحي التباينات التي رصدها معهد «جالوب» بانقسامات أعمق. وهناك تفسير ثالث يشير إلى أن التفضيلات السياسية تسربت إلى المفهوم عن الحقيقة وأثرت عليه. فربما يخلط «الجمهوريون» بين حقيقة وجود تغير المناخ وبين الحاجة إلى زيادة حجم الحكومة مثل إجراء المزيد من الأبحاث التي تقوم بها الحكومة الاتحادية وتنفيذ المزيد من البرامج الاتحادية والمزيد من التدخل الحكومي في الاقتصاد ودفع المزيد من الضرائب لتمويل كل هذا. فبدلا من أن يتحرروا من كراهيتهم لدور أكبر للحكومة يجدون أنه قد يكون من الأسهل عليهم أن يسعوا للاعتقاد بأن تغير المناخ لم يحدث، أو أنه لا يمثل خطراً كبيراً. فالمجد لعلماء المناخ إذا كان مسعاهم الجديد في تبسيط حقائق قضايا تغير المناخ يساعد في عرقلة سبيل هذا النوع من خداع الذات. لكن قدرة البشر على الإيمان بما يلائم أهواءهم تكاد تكون بلا حدود. وربما يتطلب تخفيف حدة مقاومة «الجمهوريين» لفكرة تغير المناخ تخفيف أيضاً مقابل لمقاومتهم لفكرة الحكومة والترويج لها باعتبار أنها قد تكون قوة خيرة أحياناً. ----- كريستوفر فلافول محلل سياسي أميركي ----- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»