هل هناك لغز، أم أن الطائرة الماليزية تعرّضت لحادث؟ هل قضى مئتان وتسعة وثلاثون شخصاً ضحية عمل إرهابي نفذه مساعد طيار «انتحاري»؟ هناك من دفع بنظرية المؤامرة إلى أقصاها متسائلاً: هل اختفت الطائرة فعلاً، أم أقلعت ثم هبطت مخطوفةً إلى مكان مجهول؟ فرضيات كثيرة احتلّت عناوين النشرات، ولا يصمد أي منها سوى ساعات قبل أن يُنقَض فيتلاشى بدوره أو يبقى في لائحة طويلة من علامات الاستفهام، ست وعشرون دولة تشارك في البحث عن حطام الطائرة، وتحاول العثور على أدلّة، ولا أحد لديه شيء يقوله لذوي الضحايا المفجوعين، فالحكومات أشهرت عجزها الكامل رغم أنها جنّدت كل إمكاناتها وتواصل جهودها. الأقمار الصناعية تتبارى لرؤية ما لا يرى، فمرّة هي أستراليا التي تعلن عن وجود جسمين عائمين، ومرّة هي الصين، ولكي تتعقّد العملية أكثر كان لا بدّ من أن يهبّ الإعصار الاستوائي «جيليان» ليزيد هياج المياه في جنوبي المحيط الهندي. الحدث يشغل العالم، وهذا طبيعي، فكما أن هجمات 11 سبتمبر جعلت ركاب الطائرات يرتابون ببعضهم بعضاً، فإن الاختفاء الغامض لهذه الطائرة بات يمرّ بأذهان المسافرين ويضاعف الهواجس. قد يتبيّن أن الكارثة حصلت نتيجة أعطال تقنية، أي ما يمكن أن يسمّى قضاءً وقدراً، وهو ما باتت الأجهزة المختصّة تعتبره الأرجح، وربما تتمنّاه طالما أن المحذور أو المحظور قد وقع، لكنه مع ذلك يستدعي معرفة الأسباب لتلافيها في الطائرات الأخرى، بالإضافة إلى التحوّط في إبقاء الرحلات الطويلة فوق البحار على اتصال بالأقمار الصناعية ومحطات الاتصال الفضائية. ولعل أهم ما في هذه الواقعة أن الطبيعة وحدها لا تزال تتحدّى أكبر الدول وأحدث التقنيات. من كل الفرضيّات المطروحة واحدة تبقى مقضّة للمضاجع: أن يكون هناك شخص وراء هذه الكارثة، فمجرد تصوّر الأمر يثير القشعريرة في النفوس والأجساد، ومجرد وجود الفكرة لا يعني أنها محتملة فحسب بل إنها واردة، وإذا لم تحصل فإنها قد تحصل. هناك على الأقل محاولتان معروفتان، الأولى استُخدم فيها حذاء، وفي الثانية كانت القنبلة سائلة ومدسوسة في الملابس الداخلية، ولحسن الحظ أنهما أخفقتا. والآن يعتقد المحققون أن شخصاً على متن الرحلة رقم 370 المشؤومة أغلق أنظمة الاتصالات في الطائرة، لكن التتبع الجزئي لأجهزة الرادار العسكرية رصد توجهها غرباً وعبورها مرّة أخرى شبه جزيرة مالايو، ما جعل المحققين يعتقدون أن الطائرة تعرّضت للخطف أو لعملية تخريب من دون أن يستبعدوا حدوث مشكلات فنية. وفي تحليل الاحتمالين الأولين، الخطف أو التخريب، استُعرضت أسماء الركاب وخلفياتهم لتذهب الظنون تلقائياً إلى أشخاص يمكن أن يكونوا ذوي خلفيات «إسلامية» باعتبار أن عملية الأدلجة التي تعرّضوا لها تدفعهم إلى تنفيذ ما يتجاوز المعقول. صحيح أن الحديث يدور على فرضية، لكن أن تكون الخلفية العقائدية عنصراً مرجّحاً فيها فهذه سمعة باتت تدفع إلى الإحباط، كما لو أن أصبح محسوماً عالمياً أنه يمكن أن تتوقع الأسوأ من «الإسلامي». في أجواء ترقب أخبار الطائرة الضائعة، هناك من تذكّر الطائرة «تحتمس الثالث» المصرية التي أقلعت رحلتها الرقم 990 من مطار نيويورك في 31 أكتوبر 1999 متوجّهة إلى القاهرة لكنها سقطت في المحيط الأطلسي. وتوصّل تقرير هيئة السلامة الأميركية، الذي رفضته مصر، إلى أن مساعد الطيار هو من تعمّد إسقاطها، واستدلّ إلى ذلك بعبارة «توكلت على الله» التي تلفّظ بها فيما كان يحاول السيطرة على الطائرة بعد اكتشاف عطل فني فيها قد يكون مشابهاً للعطل الذي أصاب الطائرة الماليزية. وسواء تعلّق الأمر بتخريب متعمّد أو بعطل طارئ في نظامها الكمبيوتري فإن النتيجة واحدة، بل ربما يقول أصحاب «نظرية المؤامرة» أن ما رتّب للطائرة المصرية أوحى بما رتّب للماليزية بعد نحو خمسة عشر عاماً. لا بدّ أن تتوصل جهود البحث إلى العثور على الحطام، ولعلها تفكّ طلاسم ما أصبح يُعرف بأنه أكبر ألغاز الطيران في التاريخ الحديث. فبقايا الطائرة كجثة القتيل تنطوي على إجابات عن سيل الأسئلة المطروحة، خصوصاً تلك التي تركز على احتمال العمل الإرهابي. ففي غياب الأدلة راح المحققون يستقرؤون الخط الذي اتّبعته الطائرة بعد انقطاع الاتصال بها، ورأوا «تعمّداً» في قيادتها إلى مكان يعقّد العثور عليها. وفي هذه الحال ماذا يجني الإرهابي من عملية لا يعرف أحد مغزاها وأهدافها.