تكاد تكون مسألة تقارب وسائل الإعلام «Media Convergence» القائمة على تحول المؤسسات الإعلامية من العمل التقليدي إلى الإعلام الجديد، من أهم القضايا الإعلامية التي فرضت نفسها على إدارات المؤسسات الإعلامية خلال السنوات الأخيرة سعياً منها لتطوير الأداء. كما أن هذه القضية شكّلت مجالاً خصباً للباحثين والأكاديميين المهتمين بدراسة الظواهر الإعلامية، سعياً منهم لكشف غموضها وسبر أغوارها كإحدى النتائج المترتبة على ما نشهده من تطور تكنولوجي واتصالي كبير غيّر حياة الناس. ويُمكن تعريف «تقارب وسائل الإعلام» بأنه الظاهرة التي تنطوي على الربط والدمج بين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وشبكات الكمبيوتر ومحتوى وسائل الإعلام. وهي نتيجة مباشرة لرقمنة المحتوى الإعلامي والانتشار الكبير لشبكة الإنترنت. وتقارب وسائل الإعلام يقوم على تحويل المؤسسات الإعلامية التقليدية من صحافة وتلفزيون وإذاعة والخدمات التي تقدمها لتمكين ظهور أشكال جديدة من المحتوى الإعلامي. وهناك من يرى أن التقارب هو تدفق المحتوى عبر منصات وسائل الإعلام المتعددة، مع الاعتبار لدور الجمهور الذي بات يلعب دوراً حاسماً في إنشاء وتوزيع المحتوى. وبالتالي فإن التقارب لا ينحصر فقط في الوسائل الإعلامية المتعددة المنبثقة من المؤسسة الإعلامية الأم، وإنما هو مرتبط بالجمهور الذي يجب إشراكه في إنتاج المحتوى وزيادة فاعليته. وفي الأسبوع الماضي قدم الدكتور محمد عايش أستاذ الاتصال في الجامعة الأميركية بالشارقة خلال ورقة في المؤتمر السنوي التاسع عشر لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية عنوانها «تكنولوجيا الاتصال في العالم العربي.. التوجُّهات الجديدة والاتجاهات المستقبلية»، ركز فيها على الاتجاهات الحالية في العالم العربي وكيفية تأثيرها في وسائل الإعلام في العالم العربي. والواقع كما أشار إليه الدكتور عايش أن المؤسسات الإعلامية العربية تتعامل مع ظاهرة تقارب وسائل الإعلام وفقاً لثلاثة أنماط، فمنهم المبادرون بالانخراط في التقارب، ومنهم المترددون، وأخيراً هناك القاعدون الذين لا يزالون يتشبثون بالقديم. وتطرق الدكتور عايش خلال ورقته إلى التحديات التي تحول دون تنفيذ المؤسسات الإعلامية العربية لعملية التقارب، منها التحديات التكنولوجية والمتعلقة بالمحتوى والتحديات القانونية والتشريعية وتوافر السيولة المالية، بالإضافة إلى أهم تحدٍّ بحسب المحاضر وهي العقلية التي تمسك بالنمط القديم وترفض التغيير. إن المؤسسات الإعلامية الخليجية سباقة في إدارة التقارب والتحول من التقليدي إلى الجديد خاصة فيما يتعلق بتبني آخر الحلول التقنية والفنية في الإعلام. أما من النواحي التنظيمية أو الاستفادة من الحلول التقنية في تحسين المحتوى وزيادة التفاعلية مع الجمهور فإن الأمر لم يصل إلى المستوى المتقدم الذي يواكب المؤسسات الإعلامية الغربية الرائدة في إدارة تقارب وسائلها المختلفة. وقد يكون السبب الرئيسي كما أشار الدكتور عايش إلى العقلية النمطية القائمة على الاستئناس بطرق العمل التقليدية، بالإضافة إلى أن المؤسسات الإعلامية الخليجية الكبرى لا تزال تحقق عوائد مالية مجزية من الإعلانات بعملها وفق النظام التقليدي. ولذا فإن القائمين على هذه المؤسسات يرون أن الانخراط في عملية تقارب الوسائل هي بمثابة إضافة لتحسين الأداء ولكنهم لا يعتبرونها غاية وأمراً حتمياً في هذه المرحلة على الأقل. معظم المؤسسات الإعلامية المحلية ينحصر مفهومها من حيث عملية التقارب بإنشاء موقع إلكتروني توأم للصحيفة الورقية، أو فتح حساب لقناة على «اليوتيوب» تنشر فيها أهم برامجها التلفزيونية وإنشاء حسابات في شبكات التواصل الاجتماعي لنشر روابط الأخبار والمقالات ومواعيد البرامج وتلقي استفسارات المتابعين. إن تقارب الوسائل الإعلامية أشمل وأعم من هذه الإجراءات ويتطلب تطوير المحتوى بشكل نوعي ودعمه بالوسائط المختلفة، وإشراك الجمهور في إنتاج المحتوى، وهذا يستدعي تغيير ثقافة العمل في هذه المؤسسات وفقاً لأفضل الممارسات العالمية.