بدأت لقاءات القمة العربية الدورية في مطلع الألفية الجديدة في الأردن، ويجري الآن الاستعداد والتحضيرات على قدم وساق في دولة الكويت لاستضافة أول قمة عربية سياسية على أرضها بعد أن كانت قد استضافت في العاصمة الكويت أول قمة عربية اقتصادية تنموية اجتماعية في يناير 2009. وقد دأبنا على تكرار ما بات من ثوابت القمم العربية من قبيل اللازمة التعبيرية: «تعقد القمة في ظروف استثنائية ضاغطة وسط تحديات غير مسبوقة». وتأتي هذه القمة خاصة في سياق تحولات عربية وإقليمية ودولية تتفاعل جميعها معاً وتُلقي بظلالها وتداعياتها على المشهد العربي، وهو مشهد تتفاقم فيه بشكل ضاغط الخلافات العربية- العربية، والتباين الواضح في المواقف العربية حول العديد من الملفات المهمة. وقد وصل التباين العربي- العربي للمرة الأولى إلى تخوين واتهامات دول لدول عربية أخرى بالتدخل في شؤونها وإعلان الحرب عليها، كاتهامات رئيس الوزراء العراقي الغريبة لدول خليجية بإعلان الحرب على العراق ودعم جماعات إرهابية! والراهن أن القمة العربية بنسختها 25 ستعقد في العاصمة الكويت، على مدى يومي 25-26 مارس 2014، تحت شعار طموح: «قمة التضامن لمستقبل أفضل»، في ظل ظروف بالفعل استثنائية وغير مسبوقة بسبب التحولات والتحالفات على أكثر من صعيد. وبسبب ازدياد الشرخ والتشظي داخل البيت العربي إلى مستويات تجاوزت ما اعتدنا عليه حتى عندما أطلقت تلك المقولة التهكمية على الواقع العربي: «اتفقوا على ألا يتفقوا»! ومما يُعقّد المشهد العربي أكثر التحولات الشرق أوسطية المتمثلة في التقارب الأميركي الإيراني وسط مخاوف من أن يكون ذلك على حساب ومصالح حلفاء الولايات المتحدة وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي.. وهناك أيضاً التقارب التركي- الإيراني، والتباعد التركي- المصري الذي وصل إلى حد سحب السفراء وتخفيض التمثيل الدبلوماسي. وهناك تحولات خليجية في الموقف من الملفين السوري والمصري. وتباين وخلاف أميركي- خليجي بقيادة سعودية. وهناك خلاف خليجي- خليجي حول العديد من الملفات بما فيها ملفات مصر وسوريا و«الإخوان المسلمين» والاتحاد الخليجي.. وتبقى الأزمة السورية هي الامتحان الصعب الذي سيواجه القمة العربية في الكويت خاصة مع خلو المقعد السوري من أي تمثيل.. وكذلك ستلقي الخلافات الخليجية بنفسها بقوة على مجريات القمة على رغم عدم إدراجها كبند على جدول الأعمال. والحال أن الواقع لا يوحي للمراقب والمتابع للشأن العربي بأنه واقع متضامن أو متماسك، بل هو على نقيض ذلك. فقد امتدت الخلافات والتباينات قبل أسابيع قليلة من موعد انعقاد القمة العربية إلى العضو الأكثر تماسكاً والجزء السليم من الأمة العربية وهو مجلس التعاون الخليجي الذي صمد وتغلب على الكثير من التهديدات والتحديات الإقليمية والأمنية والعسكرية الخارجية وحتى الداخلية المتمثلة في الإرهاب. ولكن في هذه المرة وعلى خلفية الاختلاف بين ثلثي دول المجلس سحبت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين سفراءها من العاصمة القطرية الدوحة بسبب مواقف وسياسات قطر تجاه قضايا وجماعات وأفراد وإعلام ترى نصف دول المجلس أنها تهدد الأمن والاستقرار ولا تنسجم مع مصالح وميثاق مجلس التعاون. ولهذا السبب تطفو على السطح الخلافات الخليجية- الخليجية. وعلى رغم تأكيد أمين عام الجامعة العربية أن الخلافات الخليجية لن تُناقش في قمة الكويت إلا أن هذا الملف المهم سيفرض نفسه بقوة على القمة حيث يتطلع الجميع بما فيهم خاصة طرفا الأزمة، وحتى جميع العرب، لقيام الكويت بلعب دورها التقليدي المميز بدبلوماسية الوساطة لتقريب وجهات النظر ورأب الصدع الخليجي. كما يفرض ملف الصراع الروسي- الغربي نفسه بقوة أيضاً على الشأن الدولي والإقليمي، المتمثل في الصراع والخلاف الكبير في النظام العالمي بسبب «البلطجة» الروسية بالإصرار على ضم شبه جزيرة القرم ضماً أو احتلالاً ناعماً تحت عباءة الاستفتاء والقبول بالانسلاخ عن أوكرانيا والانضمام إلى روسيا بشكل رسمي وكلي.. وما تزال لعبة عض الأصابع مستمرة ومتصاعدة وستنعكس بلاشك على الملفات الشرق أوسطية بما فيها الحرب الأهلية السورية، والتفاوض حول الملف النووي الإيراني بين مجموعة (5+1) وإيران وسط تحذيرات من موسكو بأنها قد تعيد النظر في موقفها من تلك المفاوضات بين الطرفين إذا استمر الغرب في التصعيد وفرض عقوبات على روسيا. وستفرض ملفات عديدة نفسها بقوة على قمة الكويت وتتصدرها بطبيعة الحال قضية العرب الأولى، القضية الفلسطينية، التي ستطرح على القادة العرب أو من يمثلهم، وحسب المسؤولين الكويتيين فقد أعلن 13 زعيماً ورئيس دولة عربياً مشاركتهم في القمة. وسيستمع القادة لشرح من محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، عن مسار عملية السلام مع الطرف الإسرائيلي المتعنت الذي لم يسمح بتحقيق أي اختراق على رغم الضغط الأميركي. وما هو ملفت في هذا السياق خروج الخلاف بين بعض الأطراف الفلسطينية إلى العلن. ما يزيد الشرخ داخل البيت الواحد. وهناك ملف أزمة العصر المتمثل أيضاً في الأزمة السورية الدامية التي دخلت الآن في عامها الرابع دون أي بارقة أمل لإيجاد حل ينهي حمامات الدم والقتل والتشريد مما يهدد بزيادة وتغذية التطرف والصراع السني- الشيعي.. الذي بدأ يتمدد في المنطقة.. وقد استمر أيضاً الخلاف العربي حول سوريا ليُبقي مقعدها فارغاً في قمة الكويت. فالنظام السوري عُلقت عضويته منذ بدء الأزمة. وتراجعت الجامعة العربية أيضاً عن دعوة الائتلاف السوري للمشاركة في القمة باعتباره ممثلاً شرعياً للشعب السوري. وهناك مساعٍ عربية لوضع استراتيجية متكاملة لمحاربة الإرهاب وخاصة بعد إعلان مصر والسعودية لجماعة «الإخوان المسلمين» تنظيماً إرهابياً. ويُضاف إلى تلك الملفات كذلك احتدام المواجهات في العراق عشية انتخابات برلمانية ترسم واقعه الصعب. والوضع في مصر التي تتحضر هي أيضاً لانتخابات رئاسية لاستكمال الوضع الانتقالي. وأزمة التحول وفقدان الأمن وفرار رئيس الوزراء الليبي علي زيدان. والوضع الأمني في اليمن. والاحتقان في لبنان رغم تشكيل حكومة نالت الثقة.. كما أنه قد يبدو أقرب إلى الترف وسط زحمة الملفات الضاغطة الحديث عن إصلاح الجامعة العربية وتطبيق قرارات القمم السابقة ومناقشة مسودة محكمة حقوق الإنسان العربية. وفي المجمل ستفرض تلك الملفات نفسها بقوة على القمة العربية ورئاستها بقيادة الأمير صباح الأحمد الصباح بحنكته ودوره المميز في عالم الدبلوماسية وهو «شيخ الدبلوماسية»، الذي نجح في حل فتيل أكثر من أزمة منذ أن عمل وزيراً للخارجية على مدى أربعة عقود ما جعل سموه يتبوأ لقب عميد الدبلوماسية العالمية. ولكن لا يمكن للدبلوماسية، وبالتالي للقمة، أن تنجح ما لم تكن هناك رغبة صادقة من الأطراف المعنية بتقديم تنازلات والاتفاق على حلول وسط، وألا تكون المواقف معادلة صفرية، بل معادلة ربحية للطرفين. لنربح جميعاً ولتكون القمة «قمة التضامن لمستقبل أفضل»!