ندد ريتشارد فالك، مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين، بسياسة إسرائيل حيال الشعب الفلسطيني، قائلًا إنها تحمل صفات «نظام الفصل العنصري» و«التطهير العرقي». وأوضح «فالك» خلال مؤتمر صحفي عقده الجمعة الماضي، بالمقر السويسري للأمم المتحدة في جنيف، أن إسرائيلَ تعمل بشكل منهجي ومتواصل على «تغيير التركيبة العرقية في القدس الشرقية»، و«تفرط في اللجوء إلى القوة»، وتواصل انتهاج سياسة «العقوبات الجماعية» وتدمير المنازل وبناء المستوطنات. وجاءت هذه التأكيدات من جانب «فالك» قبل بضعة أيام على انتهاء ولايته التي دامت ست سنوات خاض خلالها معارك قاسية مع إسرائيل وداعميها، لاسيما الولايات المتحدة وكندا. وريتشارد اندرسون فالك، المولود عام 1930، أكاديمي وناشط في مجال الشؤون العالمية، وهو أستاذ القانون الدولي بجامعة برينستون، وقد ألّف أكثر من 20 كتاباً، وحرر أو شارك في تحرير نحو ذلك العدد، وأصبح منذ مارس 2008 المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد حصل فالك على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، ثم على شهادة في القانون من جامعة ييل، فدرجة الدكتوراه في القانون من جامعة هارفارد. وأصبح أستاذاً للقانون في جامعة ولاية أوهايو بين عامي 1956 و1961، ثم انضم إلى هيئة التدريس في جامعة برينستون وظل فيها حتى عام 2001 عندما أصبح أستاذاً في برنامج الدراسات العالمية والدولية بجامعة كاليفورنيا. ونشر فالك العديد من الكتب والمقالات حول الحروب العسكرية الأميركية، لاسيما حرب فيتنام و«عملية حرية العراق» التي قال إنها «كانت عدواناً وجريمة ضد السلام». وتم تعيين «فالك»، مطلع 2001، في لجنة للتحقيق حول أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، أنشأتها مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إلى جانب كل من جون دوغارد (أستاذ من جنوب أفريقيا في جامعة ليدن بهولندا)، وكمال حسين (وزير الخارجية السابق لبنغلاديش). واهتمت اللجنة بقضيتين رئيسيتين؛ تحديد ما إذا كانت ظروف الاحتلال تعطي الفلسطينيين حق المقاومة، والتحقق عملياً من مدى التزام إسرائيل -كسلطة احتلال- بواجبها في حماية المجتمع الفلسطيني الواقع تحت احتلالها. وقدمت اللجنة تقريرها في أبريل 2001. وفي السنوات اللاحقة انصرف «فالك» إلى عمله الأكاديمي، كباحث ومحاضر وناشط في القضايا العالمية، لكن في مارس 2008 قام مجلس حقوق الإنسان التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي حل محل لجنة حقوق الإنسان في عام 2006، بتعيينه مقرراً خاصاً معنياً بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، خلفاً للجنوب أفريقي «جون دوغارن» الذي ترك هذا المنصب في يونيو 2008 بعد أن شغله لمدة سبع سنوات. وانتقدت إسرائيل تعيين فالك، وقال سفيرها لدى الأمم المتحدة، اسحق ليفانون، إن المقرر الخاص الجديد لن يكون أفضل من سلفه الذي كان «غير متوازن على نحو ميؤوس منه». أما السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، جون بولتون، فانتقد تعيين فالك قائلا: «لهذا السبب بالضبط كنا قد صوتنا ضد إنشاء مجلس حقوق الإنسان الجديد»، وأضاف: «تم اختياره بهدف العثور على مزيد من الحجج لمضايقة إسرائيل». وفي ديسمبر الماضي، بعد تصريحات للتلفزيون الروسي اتهم فيها إسرائيل بممارسة الإبادة الجماعية حيال الفلسطينيين، طلبت كل من كندا والولايات المتحدة بعزله من منصبه، واصفتين تصريحاته بـ«الصادمة» و«المعادية للسامية». وقد عرف فالك بآرائه ومواقفه المثيرة للجدل، فقد دافع في عام 1973 عن «كارلتون آرمسترونج» المتهم بتفجير قنبلة ضد «مركز بحوث الرياضيات» التابع للقوات المسلحة في جامعة وايسكونسين، حيث طالب للمتهم عفواً كاملا بالنظر إلى أنه قام بما قام به احتجاجاً على حرب فيتنام كحرب غير مشروعة قانونياً وأخلاقياً. كما تبنى موقفاً مشككاً في الرواية الرسمية حول تفجيرات 11 سبتمبر 2001، وكتب في تقديمه لكتاب « بيرل هاربور جديد.. أسئلة مزعجة حول إدارة بوش»، لمؤلفه «ديفيد راي غريفين»، قائلا: «لقد تم وضع أسئلة هنا وهناك ومزاعم تواطؤ رسمي منذ يوم الهجمات، لكن لا أحد مثل غريفين تحلى بالصبر والثبات والشجاعة و الذكاء لوضع كل التساؤلات معاً في نسق متماسك». ودعا فالك في عدة عرائض وقعها بين عامي 2004 و2009 إلى إنشاء لجان تحقيق حول التفجيرات والتحري حول القضايا التي لم تصل التقارير السابقة إلى أجوبة مرضية حولها. ولم يزل فالك منذ أعوام طويلة، وهو «اليهودي الأميركي»، نصيراً للشعب الفلسطيني في صراعه ضد الاحتلال الإسرائيلي، ففي مقال منشور له عام 2002، انتقد بشدة عملية بناء «السور الواقي»، واصفاً إياها بأنها «إرهاب دولة». وقال في التقرير الذي أعده مع «دوغارد» و«حسين»، إن «المقاومة الفلسطينية فقدت تدريجياً خياراتها العسكرية. ويبدو أن الانتحار أصبح السبيل الوحيد المتاح أمام الفلسطيني المهان والمتألم كي ينتقم من إسرائيل ويواصل مقاومتها». وخلص التقرير إلى أن إسرائيل هي المسؤول الرئيسي عن تصعيد العنف، وأن هجماتها شملت انتهاكات عديدة للقانون الدولي الإنساني. وفي 9 ديسمبر 2008، نشرت الأمم المتحدة بياناً لفالك بوصفه مقررها الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، أعرب عن القلق البالغ إزاء محنة السكان المدنيين في غزة، وقال إن «إسرائيل لا تزال على موقفها في السماح بدخول من لا يكاد يكفي من الغذاء والوقود والدواء إلى القطاع». ثم أصدر بياناً عقب الحملة الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، واصفاً إياها بـ«جرائم الحرب» و«الجرائم ضد الإنسانية»، كونها مثلت «رداً غير متناسب» و«استهدفت المدنيين بشكل مباشر». وفي مقال نشره في مارس 2009، دعا المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة القادة الإسرائيليين على ما اقترفوه من «جرائم حرب كبيرة». وكان «فالك» صريحاً في المؤتمر الصحفي الذي عقده الجمعة الماضي في جنيف، حيث قال إن «هناك تمييزاً منهجياً على أساس الهوية العرقية سعياً لتغيير تركيبة القدس الديموغرافية»، وإن ذلك شكل من أشكال «التطهير العرقي»، وأن «ما نسميه احتلالا، أصبح اليوم أكثر فأكثر يفهم على أنه نوع من الضم والإلحاق، وهي إحدى قواعد نظام الفصل العنصري». وبعد ست سنوات في منصبه الأممي، لا يبدو أن الهجمات التي تعرض لها فالك، والذي لم يفتأ يصف نفسه بـ«اليهودي الأميركي»، غيرت رأيه حول طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ يؤكد أن الحملة ضده تهدف إلى «تحويل النقاش من الرسالة إلى الرسول». محمد ولد المنى