تطاول يوسف القرضاوي على الإمارات من منبر المسجد الذي يخطب فيه، في ظاهرة غير مسبوقة لم تعهدها شعوب دول مجلس التعاون الخليجي من قبل مهدداً ومتوعداً وهو يرغي ويزبد ضد دولة الإمارات وشعبها، دون سبب معروف سوى المنطلقات الأيديولوجية العمياء، التي ينطلق منها أقطاب جماعة «الإخوان» في العالم العربي. والغريب في الأمر أن الدولة التي تستضيفه مُصرّة على السكوت عنه وربما تشجيعه من خلال السماح بنقل خطبة الجمعة التي تطاول فيها على الإمارات عبر وسائل إعلامها الرسمي. وهذه أيضاً ظاهرة خطيرة جداً، حيث لم تسلك دولة من دول المجلس مسلكاً كهذا من قبل بالتغاضي عن من تسول له نفسه بالتطاول على أشقائها دون ردع أو غياب أو حساب. ويبدو بأن القرضاوي مصر على ممارسة براجماتية «الإخوان» المسلمين الجديدة القائمة على أن الغاية تبرر الوسيلة مع وجود هدف حتمي ومحدد هو إقامة دولة «إخوانية» ربما مركزها القطر الذي يقيم فيه القرضاوي حالياً، وكل ما عدا ذلك ليس إلا وسائل تكتيكية توصل إلى الهدف المنشود. ويبدو أيضاً أنه يوجد في قعر فكر «الإخوان المسلمين» اعتقاد بأن التقدم الحديث الذي أحرزته الإمارات وفقاً لمنهج قويم خاص بها يسير بعكس ما يطمحون إليه هم ويقولونه ويفعلونه في العالم العربي. وبالنزعة الموجودة لديهم باتجاه التضامن مع «الإخوان» الذين يتواجدون في الإمارات واكتشفت السلطات الرسمية فيها بأنهم يتآمرون لقلب نظام الحكم واستبداله بحكم «الإخوان». وفي سياق ذلك، يلاحظ من تشدقات القرضاوي ضد الإمارات وأهلها، وجود ادعاء صارخ بروحانية السياسة إلى الدرجة القصوى، مع أوهام لم تتضح بعد بالوحدة الإسلامية والتطبيق الصارم للشريعة، والحاجة إلى قلب كافة النظم الحاكمة التي لا يسيطر عليها «الإخوان المسلمين» وتغيير المجتمعات الخليجية التي لم يتوصل «الإخوان» إلى حكمها بعد. وهذا فكر هدّام ونزعة باطلة قائمة على استغلال الدين في السياسة أسوأ استغلال، لكنه أمر ليس بالجديد على فكر «الإخوان المسلمين». فمنذ ما بعد الحرب العالمية الثانية مروراً بعقدي خمسينيات وستينيات القرن العشرين، يمكن ملاحظة تغلغل فكر «الإخوان» في العديد من الدول العربية في مواجهة الأفكار الحديثة التي شرعت في تسريع عمليات التحديث والتنمية منذ استقلال الدول المعنية. وبعودة إلى تخرصات القرضاوي وغيره من زبانية «الإخوان»، يلاحظ بأن الشباب المسلم يستمع إلى ما يدعونه لأسباب سيكولوجية - اجتماعية - اقتصادية، كتعبير عن أهداف دينية وتنظيمية بسيطة في أصلها. وعادة فإن الشباب والطلبة والمثقفين هم الذين يتأثرون بمثل تلك الادعاءات، وهذه الظاهرة هي تعبير عن عدم قدرة المجتمعات على صياغة وتشكيل إجماع أيديولوجي بديل معاصر. وهنا يقفز قادة جماعة «الإخوان» ودعاتها وأبواقها لاغتنام الفرص التي تلوح أمامهم لتحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم الشخصية ويقومون باستغلال تلك الفئات وتضليلها عن طريق طرح شعارات رنانة تصب في خانة السعي نحو التغير على مستوى الفرد والمجتمع وإعادة بناء الأوضاع السياسية والاجتماعية عن طريق قلب نظم الحكم والمؤسسات القائمة واستبدالها بحكم «الإخوان». خاتمة القول نقول للقرضاوي الإمارات حصن منيع بعيد عن متناول يدك أنت وجماعتك، ويكفي الفشل الذريع الذي شهدناه منكم في مصر والسودان وغيرها من بلاد العرب التي وصلتم فيها إلى السلطة.