من المزمع أن تعقد الهند انتخاباتها البرلمانية العامة على مدار خمسة أسابيع بداية من السابع من أبريل، فيما يعرف بأكبر ممارسة ديمقراطية في العالم تشمل نحو 815 مليون ناخب محتمل. وينافس مرشح حزب «المؤتمر» الحاكم «راهول غاندي»، البالغ من العمر 43 عاماً، نظيره من حزب «بهاراتيا جاناتا» ناريندرا مودي، إلى جانب مجموعة من الزعماء الإقليميين من أجل استمالة ملايين الناخبين الذين سيدلون بأصواتهم في أكبر حشد بشري. وتكمن روعة الانتخابات الهندية في القدرة على التغلب على الأعداد الغفيرة، ولا سيما أن الانتخابات المقبلة ستشهد زيادة عدد الناخبين بمقدار مائة مليون ناخب مقارنة بالانتخابات البرلمانية السابقة في عام 2009. وتُجرى الانتخابات، التي تمتد من السابع من أبريل إلى 12 مايو في ذروة ارتفاع درجات حرارة الصيف في الهند، على سبع مراحل في أنحاء الدولة لتمكين المواطنين من الإدلاء بأصواتهم. وتم تأخير تواريخ الانتخابات لإتاحة الوقت أمام السلطات من أجل عمل الترتيبات الأمنية الضخمة من أجل 930 ألف مركز اقتراع في أنحاء المدن والقرى في الدولة. وسيشارك في الجهود نحو عشرة ملايين من مسؤولي اللجان الانتخابية وقوات الأمن، وتسهم ولايات كبيرة مثل «بيهار وأوترابرديش» بالعدد الأقصى من المقاعد في البرلمان الهندي. ومن المتوقع أن يتمكن أحد الأحزاب القومية ـ إما المؤتمر أو بهاراتيا جاناتا ـ من تشكيل الحكومة المقبلة في تحالف مع ائتلاف متنوع من الأحزاب الإقليمية. وتتسم الانتخابات في الهند بتنوعها وخشونتها، لكنها على رغم ذلك تبقى خالية من أية أعمال عنف، ولا سيما أن آلات التصويت الإلكتروني، التي بدأ استخدامها في عام 1998، وضعت نهاية للتلاعب بالأصوات. وعلى رغم ذلك، لا تزال هناك بعض المزاعم المنتشرة بشأن شراء أصوات الناخبين بالمال أو هدايا عينية من قبل المرشحين قبيل الانتخابات. وستشهد الانتخابات المقبلة حدثين جديدين، أولهما دخول 23 مليون ناخب جديد للمرة الأولى من الفئة العمرية 18 و19 عاماً، وكذلك سيكون للناخبين الحق للمرة الأولى في اختيار تحديد رغبتهم بعدم التصويت لأي مرشح، إذا كانوا يعتقدون أنه لا يوجد أحد المرشحين المناسبين لتمثيلهم في البرلمان. ومن المتوقع أن الانتخابات العامة في 2014 ستشهد منافسة شرسة بين اثنين من الأحزاب الوطنية الرئيسة ومجموعة من الأحزاب الإقليمية التي يراود كل زعيم من زعمائها حلم أن يصبح رئيساً للوزراء. ويواجه «راهول غاندي»، الذي جادت أسرته «غاندي -نهرو» بتقديم ثلاثة وزراء للهند، معركة صعبة في محاولة إحراز فترة ثالثة في السلطة لحزب «المؤتمر». غير أن مزاعم ضعف الحكم وسلسلة من فضائح الفساد وارتفاع أسعار السلع الأساسية أثناء الفترة السابقة لحكومة «مانموهان سنج» أفضت إلى ظهور «ناريندرا مودي». وقضت حكومة رئيس الوزراء مانموهان سنج جزءاً كبيراً من فترتها الثانية في السلطة في حالة جمود سياسي بسبب تباطؤ الاقتصاد وارتفاع معدلات التضخم، ومن ثم، يعتبر الفشل في كبح جماح ارتفاع أسعار السلع الغذائية والوقود بمثابة ضربة كبيرة في وجه حزب «المؤتمر». ويعتبر ناريندرا مودي، زعيم إقليم «غوجارات» سياسيا حازما، تمكن من التغلب على الشكوك والنزاعات داخل حزبه ليظهر كمرشح قوي لمنصب رئاسة الوزراء. وتشير استطلاعات الرأي ـ حتى تلك التي ثبت خطؤها في الانتخابات الماضية ـ إلى تفوق مودي، ويوضح أحدث استطلاع أن حزب «المؤتمر» يتجه لتسجيل أسوأ أداء له على الإطلاق في الانتخابات البرلمانية منذ الاستقلال في عام 1947، إذ من المتوقع أن يحصل على 89 مقعداً فقط من إجمالي 543 مقعداً في البرلمان. وكشفت الاستطلاعات أن حزب «بهاراتيا جاناتا» من المتوقع أن يحصل على 227 مقعداً، وهو ما يقل عن نصف عدد النواب. وفي غضون ذلك، حاولت مجموعة من الأحزاب اليسارية والأحزاب الإقليمية الأخرى تشكيل جبهة ثالثة. وألقى حزب «عام آدمي»، الذي ولد من رحم حركة مناهضة للفساد، بنفسه في الدائرة بهدف حصد موجة الشعبية التي حققت له نجاحاً في أول منافسة له على مقاعد المجلس التشريعي في دلهي قبل ثلاثة أشهر مضت. وعلاوة على ذلك، يتوقف نجاح كل من «المؤتمر» و«بهاراتيا جاناتا» أيضاً على كيفية تشكيلهما لتحالفات انتخابية بهدف زيادة عدد نوابهم إلى أغلبية في البرلمان. وعلى رغم أن استطلاعات الرأي تضع حزب «بهاراتيا جاناتا» في المقدمة، لكن لا يزال من المتوقع أن يواجه تحدي التمكن من الحصول على الأعداد الكافية لتشكيل الحكومة. ومع اقتراب الانتخابات بالفعل، تتعالى الأصوات داخل كل حزب مع زيادة المنافسة على تخصيص المقاعد، وقد تطور الأمر إلى مشاحنات في داخل كل حزب، بينما يوزع القادة المرشحين للمنافسة على المقاعد. وكان هناك خلاف مع مودي بشأن تخصيص مقعده في مدينة «فاراناسي» الهندوسية المكتظة بالسكان في إقليم أوترابرديش، ولكن في نهاية المطاف، لا يكاد يكون هناك شك في أن الحزب سيصل مع التحالف الأفضل إلى السلطة. وقد انتهى في الهند عصر حكم الحزب الواحد إلى الأبد منذ وقت بعيد، ومن غير المتوقع أن يتغير هذا السيناريو، وخصوصاً مع نمو شعبية الأحزاب الإقليمية، التي تخدم مصالح جماعات خاصة من الناس. وعليه، فإن الحكومة التي ستصل إلى السلطة على المستوى الفيدرالي ستكون حكومة ائتلافية، ومن ثم، يبقى السؤال الحقيقي أي التحالفات سيصل إلى السلطة؟ وفي ظل هذا المزيج غير المؤكد، لا يمكن استبعاد نتيجة مفاجئة، ولطالما كانت الانتخابات الهندية حبلى بالمفاجئات على خلاف الحسابات السياسية واستطلاعات الرأي، وفي انتخابات عامي 2004 و2009، ثبت خطأ معظم استطلاعات الرأي تماماً مع وصول حزب «المؤتمر» إلى السلطة على مدار فترتين.