يحتوي كتاب «خمسة عائدين» لمؤلفه مارك هاريس، على كافة مقومات الفيلم الجيد، حيث الشخصيات الرائعة والتحديات والصراعات والحركة المكثفة. غير أن هذا الكتاب ليس رواية، وإنما سرداً واقعياً لقصة خمسة من مخرجي الأفلام منذ الحرب العالمية الثانية، تركوا عملهم في «هوليوود» من أجل صناعة الدعاية وتصوير التدريبات والمعارك في الجيش. وهؤلاء الخمسة هم جون فورد، وكان قد انضم إلى البحرية قبل ثلاثة أشهر من الهجوم على ميناء بيرل هاربور، ثم أدى الهجوم إلى تجنيد الأربعة الآخرين، وهم فرانك كابرا وويليام ويلر وجون هيوستن وجورج ستيفنز، للانضمام إلى سلاح الإشارة، وهو فرع الجيش المسؤول عن الاتصالات والمعلومات. وأشار هاريس إلى ما قاله الروائي إروين شاو، الذي عمل مع «كابرا» في مسلسل «لماذا نقاتل»، حيث عبر بالقول: «إن هؤلاء الرجال كان لهم تاريخ قبل الانضمام إلى الجيش، لكنهم تخلوا عن مهنتهم شديدة الجاذبية وآثروا الانضمام إلى الحياة العسكرية». وأضاف: «لقد وضعوا أنفسهم تحت تصرف الجيش رغم أنهم كانوا يدركون أن إمكانية صناعة أفلام كبرى لم تكن غالباً موجودة، لأن ما أراده الجيش كان دعاية تساعد على الانتصار في الحرب، ولا تحتاج مثل هذه الدعاية إلى صناعة أفلام كبرى». وأوضح هاريس: «لكنهم سرعان ما استفادوا من خبراتهم ومهنيتهم، فكان مسلسل لماذا نقاتل أكثر الدعاية المصورة أهمية في الحرب». ثم كان فيلم «معركة ميدواي»، الذي أخرجه فورد، أول عمل يقدمه أحد المخرجين الخمسة، ويظهر مزيجاً صعباً من الأعمال الوثائقية والدعائية. وكان فورد مصمماً ليس فقط على تسجيل المعركة، بل أيضاً على عمل صناعة ما وصفه بأنه «فيلم للأمهات في الولايات المتحدة». وجاء تصوير المعركة الرئيسة في هذا العمل بموسيقى مؤثرة وتعليق لكل من هينري فوندا وجين دارويل. وأثناء المشهد الذي يظهر خسائر المعركة، يظهر صوت دارويل الحزين: انقلوا هؤلاء الرجال إلى المستشفى، وفي الخلفية صوت أغنية «إلى الأمام أيها الجنود». وقد أشار بعض النقاد في ذلك الوقت إلى وجود «إسفاف» في فيلم فورد، لكنه كان شعبياً ومؤثراً بدرجة كبيرة، وكان له تأثير عميق على مسار أفلام الدعاية الأميركية من حيث الواقعية وتسلسل الأحداث. ومثلما لفت هاريس، لم تكن هناك مناقشة حول الصراع المحتمل بين «مهام التوثيق» والتصوير التسجيلي لنقل الحرب بدقة وانضباط، وكانت مهمة الدعاية هي ترويج الحرب للأميركيين أيّاً كانت تكلفتها. وكما يوضح المؤلف فإن الافتقار إلى ارشادات عامة أسفر عن ما يصفه بـ«أسوأ الأحداث وأكثرها مدعاة للأسف والخزي في تاريخ جهود الدعاية للجيوش أثناء الحرب العالمية الثانية». ثم يضيف القول إنه في عام 1943، أصدر البريطانيون فيلم «انتصار الصحراء»، الذي يسرد الحملة ضد روميل في شمال أفريقيا، والذي وصفته صحيفة «التايمز» بأنه «الفيلم الأفضل لمعركة حقيقية في هذه الحرب». ويتابع هاريس: «لكن الفيلم ترك انطباعاً بأن البريطانيين كانوا يقودون جهود قوات التحالف للانتصار في الحرب، لذا عندما سمع قادة الجيش الأميركي أن البريطانيين كانوا يستعدون لإصدار تتمة للفيلم، حاولوا تخويفهم من أجل إلغائه، وبدلا من ذلك تآمروا على فيلم في حملة شمال أفريقيا، كان سيشتمل على دور أميركي على الأقل». ولسوء الحظ، فإن معظم الأفلام المصورة لمعارك الأميركيين في شمال أفريقيا فقدت عندما غرقت السفينة التي كانت تحملها بسبب قذيفة ألمانية، وتم استدعاء هيوستن من أجل تصوير مشاهد للمعارك في صحرا موجافي، باستخدام دبابات وجنود مزيفين، بينما أعاد ستيفنز إخراج مشاهد للحملة الأميركية في الجزائر. وتم إقناع البريطانيين من أجل مشاركة الأميركيين في فيلم أطلق عليه اسم «الانتصار التونسي»، وصفه هاريس بأنه «مزيج غير مريح من الواقعية والتحريف». وفي هذه الأثناء، يوثق هاريس في كتابه البطولة الحقيقية للمخرجين الخمسة، لاسيما أنهم جميعاً تعرضوا لإصابات، فمثلا فقد فورد الوعي وجرح بسبب شظايا أثناء تصوير المعركة، وكان فورد يصور غزو نورماندي في يوم من أيام شهر ديسمبر، وكذلك ستيفنز الذي تعرض لإطلاق نار أثناء معركة «الثغرة». وائل بدران ------ الكتاب: خمسة عائدون المؤلف: مارك هاريس الناشر: بنجوين تاريخ النشر: 2014