يثير كتاب الأكاديمي وعالم الاقتصاد الفرنسي جاك ميسترال الصادر مؤخراً تحت عنوان: «الحرب والسلام بين العملات» قضية حرب العملات التي يرى أنها تقع اليوم في مقدمة أسباب استمرار الأزمة النقدية، ومن ورائها الأزمة المالية العالمية التي ما زالت تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، وخاصة الأوروبي، على رغم مرور كل هذه السنوات، ومع الجهود الاستثنائية التي بذلت لطي صفحتها، والتغلب على تحدياتها. ويتساءل الكاتب ابتداءً: هل يعيد التاريخ نفسه؟ وتكون التوازنات والتنافسات بين العملات الكبرى كالدولار واليورو واليوان هي الساحة المقبلة التي ستجري فيها الجولات التالية من تداعيات الأزمة العالمية التي ما زال العالم يعاني من آثارها الوخيمة حتى الآن؟ مؤكداً أن مظاهر الأزمة النقدية في عالم اليوم ليست خاصة بأوروبا وإنما هي حالة عالمية واسعة الانتشار، عميقة الأسباب، محسوسة الآثار أينما توجهنا بأنظارنا، حيث تسمم الديون السيادية ومعدلات العجز في موازين المدفوعات صحة الاقتصاد العالمي كله. وثمة مشكلات عجز وديون في اقتصاد الولايات المتحدة، والصين، وألمانيا، وأوروبا، وفي دول الجنوب، وفي كل مكان آخر من العالم. وعلى رغم تواتر الحديث عن وضع أسس الحكامة الاقتصادية الناقصة حتى الآن في منطقة اليورو، ومحاولات احتواء المأزق النقدي ومشكلات الديون الهائلة في الولايات المتحدة، وأيضاً تداعيات وآثار دخول الصين المتردد في النظام المالي العالمي، وكذلك سياسات دعم التنافسية غير الودية التي تتبناها اليابان، في ضوء كل هذا تبدو هنالك حقيقة واحدة بديهية هي أن أكثر تجليات الأزمة المالية العالمية ديمومة وضوحاً اليوم هو الأبعاد النقدية تحديداً. ويعلمنا التاريخ أن سيادة نوع من السلام بين العملات بدل دخولها في تنافسات وصراعات تجارية هو وحده ما يضمن للاقتصاد العالمي أجواء تجارية إيجابية، يخرج منها الجميع رابحين. والعكس أيضاً صحيح، حيث لا تتكشف الحروب التجارية والصراعات بين العملات سوى عن تسميم أجواء التجارة العالمية، وتهيئة الظروف للصراعات السياسية الدولية، والاضطرابات الاجتماعية. ولتفادي المزيد من التوتر في الاقتصاد العالمي على خلفية التلاعب بأسعار العملات لتحقيق مكاسب أنانية تجارية، يقدم هذا الكتاب مقترحات بتدابير وإجراءات ملموسة من شأنها تطويق مخاطر نشوب أية حرب عملات جديدة، لا يحتمل الاقتصاد العالمي اليوم ترف الانخراط فيها، وهو في هذه الحالة غير المسبوقة من الاضطراب والإنهاك. ويرى ميسترال، وهو أكاديمي ومحاضر بجامعات عريقة مثل جامعات هارفارد وميتشغان ونانكين، أن الاقتصاد العالمي يمر اليوم بمنعطف في غاية الخطورة حيث إن الأزمة المالية العالمية التي انطلقت في سنة 2007، وأزمة الديون السيادية في أوروبا خاصة، يمكن أن تثبتا أنهما لم تكونا هما الأسوأ بالنسبة للاقتصاد العالمي إذا ما قورنتا مع ما يمكن أن يقع لو تفاقمت حرب العملات، أو لو لم نعمل على تفاديها من الأساس. وعلى رغم كل ما بذل من جهود دولية ما زال من غير الوارد الحديث عن إمكانية تهيئة الأجواء لمعدلات نمو مستديمة بالنسبة للاقتصادات الدولية الكبرى. والحقيقة أننا قد كسبنا حتى الآن بعض الوقت، وطوقنا بعض مخاطر الأزمة، ولكن ما زالت أيضاً لحظة الحقيقة آتية في الطريق، وهي أننا سنكون في مواجهة أكبر حالة فوضى واضطراب نقدي في العالم إن لم نعرف كيف نضع قواعد لعبة محددة، تمنع نشوب حرب عملات بين الولايات المتحدة والصين ومن وراء هذه الأخيرة بقية الدول البازغة الأخرى، التي تمثل قوة حضور اقتصاداتها وعملاتها خصماً من قوة ومركزية الورقة الخضراء الأميركية على صعيد عالمي. ومع أهمية الدور الذي تلعبه مجموعة العشرين في محاولات تطويق التناقضات النقدية والتجارية العالمية، ووضع أسس تمنع نشوب حروب نقدية أو حتى تجارية، مع ذلك فإن ثمة أسساً لأي حل للمشكلات النقدية لابد أن تتخذ على صعيد وطني بالنسبة لكل دولة على حدة تواجه مشكلات مالية، وهذا ما يجعل المهمة مزدوجة على الصعيدين الاقتصادي الداخلي والخارجي. وكل هذا يحتاج إلى كثير من الإرادة السياسية غير المرتهنة للرهانات الشعبوية مثلما هي الحال في أوروبا، كما يقتضي أيضاً وبالقدر نفسه توافقات دولية خارجية هدفها تفادي الأسوأ، لوضع أسس وكوابح مانعة لانزلاق العالم في حرب نقود أخرى من خلال تخفيض الأسعار والتلاعب بأسعار الصرف لتحقيق تنافسيات ومكاسب اقتصادية وتجارية صرفة، على حساب الشركاء التجاريين الدوليين الآخرين. ولاشك أن توافقات بهذا الحجم ستقتضي وضع أسس نظام مالي دولي جديد، أكثر شفافية وفعالية، وأكثر قدرة أيضاً على الاستجابة لأية تحديات نقدية أو تجارية أخرى مقبلة. حسن ولد المختار ------- الكتاب: الحرب والسلام بين العملات المؤلف: جاك ميسترال الناشر: فايار تاريخ النشر: 2014