يضم كتاب «شيوعيون في فلسطين» للأكاديمي الفلسطيني الدكتور موسى البديري، في ثناياه شظايا من التاريخ، تعرّف ببعض الأشخاص وتلقي الضوء على حياتهم، ودوافع نشاطهم السياسي، كما تكشف المحددات التي اعتبروها أساس الصراع في فلسطين، وتصوراتهم لشكل الحل العادل وأسسه، ضمن جملة من القضايا تتيح قراءة فترة من التاريخ الفلسطيني عبر سرد أجزاء من القصص الشخصية لمن كانوا نشطاء في «الحزب الشيوعي في فلسطين» خلال الفترة بين عامي 1919 و1948، أي في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين. وقد سبق للدكتور البديري أن أصدر كتاباً آخر في أواسط السبعينيات بعنوان «الحزب الشيوعي الفلسطيني من 1919 إلى 1948»، وكان في الأصل رسالته لنيل الدكتوراه من جامعة لندن. أما كتابه الحالي فهو بالأساس مجموعة من المقابلات النادرة التي أجراها في السبعينيات مع 22 من قادة «الحزب الشيوعي الفلسطيني» (اليهود والعرب) قبل عام 1948 و«عصبة التحرر الوطني الفلسطيني»، التنظيمين الشيوعيين اللذين أدت النكبة إلى اندثارهما، بالإضافة إلى فصل ضمّنه المؤلف أفكاره الخاصة حول التجربة الشيوعية في فلسطين في فترة الانتداب البريطاني على فلسطين. وينقل الكتاب ما رواه إميل حبيبي في روايته «اخطية» الصادرة عام 1985، والتي رسم فيها بعض ملامح مدينة حيفا في عهد الانتداب البريطاني، حين ذكر أنه شاهد شعاراً مكتوباً على حائط سكة الحديد في حيفا يعود تاريخه إلى أربعينيات القرن الماضي يقول: «أطلقوا سراح رضوان الحلو.. فخري مرقة.. يحيى الهواش ورفاقهم»، إذ يشي هذا الشعار بوجود تاريخ آخر في فلسطين «أبطاله لا ينتمون إلى العائلات الإقطاعية الدينية أو الوفود الرسمية التي لم تيأس يوماً من محاولة إقناع الاستعمار البريطاني بعدالة قضيتها.. أبطاله فلاحون معدمون اضطروا للانتقال إلى المدينة سعياً وراء لقمة العيش.. مُشكلين النواة الأولى للطبقة العاملة العربية الفلسطينية»، فوجدوا طريقهم إلى صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني. وكما يقول البديري، فإن جميع كوادر الحزب عند تأسيسه عام 1919 كانوا يهوداً، وهم مجموعات انفصلت عن الجناح اليساري في حزب «بوعلي تسيون» الصهيوني. ووفقاً لـ«جوزيف بيرجر برزلاي»، أحد مؤسسي الحزب وأمينه العام في سنة 1931، كان «نجاتي صدقي» أول عربي ينضم للحزب الشيوعي الفلسطيني عام 1920. بعد ذلك استطاع الحزب إقامة علاقات مع بعض الفلاحين العرب، وعندما اعتصم فلاحو قرية «الفولة» عقب قيام الوكالة اليهودية بشراء أراضيها، شارك الحزب في مقاومة إجلائهم عن أراضيهم ودعاهم للتمسك بها ورفض بيعها للمهاجرين اليهود. ومنذ انطلاقه في عام 1919 حاول النشطاء اليهود في الحزب المواءمة بين التمسك بالصهيونية البروليتارية وبين الانتماء إلى الأممية الشيوعية (الكومنترن)، لكن الأخيرة أصرت على أن يتحول الحزب إلى منظمة قطرية تمثل سكان البلاد الأصليين. وعندما تم اعتماد الحزب الشيوعي الفلسطيني كفرع للأممية الشيوعية في فلسطين، عام 1924، كان ذلك بعد تعهده بشروط العضوية، وعلى رأسها «العمل التنظيمي في صفوف السكان العرب في فلسطين». لكن الحزب، على ما يبدو، عجز عن توفير «لغة مشتركة تخاطب مصالح كل من العرب واليهود في فلسطين»، فخاطب العمال اليهود بلغة الصراع الطبقي، وخاطب العرب بلغة العداء للإمبريالية. فهل ذلك أحد الأسباب التي أدت إلى فشله كأول تجربة أممية في فلسطين؟ يتطرق الكتاب إلى انشقاق الأعضاء العرب من الحزب، حيث شكلوا بعد ذلك «عصبة التحرر الوطني الفلسطينية» إبان الحرب العالمية الثانية. وحول هذه النقطة يحاول البديري، من خلال الأسئلة التي وجهها للشخصيات التي قابلها، الوقوف على الأسباب الحقيقية وراء تأسيس العصبة وفشل تجربة الحزب، رغم أن هذا الأخير ظل يُعارض بغالبية أعضائه من اليهود فكرة إقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين، ويعتبر المنادين بها «عملاء للإمبريالية البريطانية». وفي صفحاته الأخيرة، يذكر الكتاب ما حصل بعد النكبة من انضمام الشيوعيين العرب الذين بقوا في أراضي عام 1848 إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي ظلت كتلته الجماهيرية الطاغية في صفوف العرب، ومع ذلك استمرت النظرة إليه كحزب يهودي بالدرجة الأولى. محمد ولد المنى ------- الكتاب: شيوعيون في فلسطين المؤلف: د. موسى البديري الناشر: المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية تاريخ النشر: 2013