إن منطقة الخليج تواجه اليوم أكبر تحدٍّ للحفاظ على منظومتها الأمنية، التي ظلت متماسكة طوال فترة الأزمات التي مرت على المنطقة بدءاً بالحرب العراقية- الإيرانية، مروراً بالغزو العراقي للكويت، ووصولاً إلى زمن «الربيع العربي» الذي حوّل البلدان التي تغيرت إلى حالة أخرى انفلت الأمن والاستقرار من خلالها. منذ عقود ينظر البعض إلى هذه المنطقة نظرة فيها الكثير من الحقد والحسد على نعمة الأمن والأمان والاستقرار التي تسود فيها رغم وجود الأزمات من حولها وإن لم تكن لها يد فيها إلا أنها تشكل ضغطاً عليها بصورة أو بأخرى. فعندما بدأ شرر «الربيع العربي» في حرق كل مكتسبات الدول التي اشتعل فيها، كانت بعض الأدبيات تومئ إلى أن منطقة الخليج هي التالية، والذي تبنى هذا الطرح التيارات المتطرفة التي رأت في «الربيع العربي» منقذاً لكل ما تعاني من أزمات في كافة الاتجاهات، فتوهمت بأن أوان امتطاء موجة الديمقراطية والعدالة وغيرها من الشعارات البراقة قد حل بهذا «الربيع» الذي لم نر له اخضراراً ولا تنمية ولا أماناً. في بداية هذا «الربيع» قام بعض أصحاب الفكر الليبرالي بدعمه ظاناً بأن في ذلك خيراً للأمة التي تنتظر التغيير إلى الأفضل منذ عقود الانفراد بالسلطة والإخفاق في التنمية من قبل بعض الأنظمة ولكن بعد برهة من الزمن اكتشفوا أن الذي ركب ظهر هذا «الربيع» تيارات إسلامية مسيسة استطاعت سحب البساط لصالحها وعلى رأسها «الإخوان» الذين وصلوا إلى هرم السلطة في مصر وتونس وليبيا. إن مجريات الأحداث في دول التغيير وأسبابها لا يمكن إنزالها على منطقة الخليج التي يتعامل حكامها مع الشعوب بقيادة أبوية حانية بعيدة عن تجاذبات الأحزاب السياسية المتناحرة مهما كان لونها. فأنظمة الحكم في الخليج توافقت أن تتعايش في منظومة مجلس التعاون الخليجي للحفاظ على كيانها مدافعاً عن كل مكتسباتها، والاتفاق على أن أمن الخليج لا يتجزأ وأن مسؤولية الدول الأعضاء بذل كل المساعي لخلق الدروع الواقية لعدم اهتزاز هذا الركن المنيع والعمود الفقري للاستقرار في الخليج. وما قامت به السعودية والإمارات والبحرين من سحب سفرائها من دولة قطر الداعمة لتيار «الإخوان المسلمين» يدخل في باب الحفاظ على هذه المنطقة مما يحاك لها من أجندات الجماعات المتطرفة التي تبحث لها عن موضع قدم لاستكمال مشروعها الذي أجهض في دول «الربيع العربي». فقطر الشقيقة اليوم لا ينبغي لها الذهاب بعيداً عن المنظومة الخليجية إرضاء لجماعة «الإخوان المسلمين» التي تريد لقطر أن تسلك طريقاً باتجاه واحد، لأنها بذلك تحقق أهدافها الخفية، وليست هناك دولة تضع مصالحها الحيوية تحت رحمة تيار يريد خرق الجدار الأمني المنيع في الخليج. فالقضية الأهم بالنسبة لكل دول مجلس التعاون هي عدم السماح لأي عضو في هذه المنظومة، التفريط بالسياج الأمني الذي حافظ على كيان الخليج موحداً وصامداً أمام التغيرات في أصعب الظروف. فمنطقة الخليج في هذه المرحلة بحاجة ماسة إلى كل ما يقوي ويعزز المنظومة الأمنية لديها وسد أي ثغرة يحاول أصحاب الأجندات الخاصة النفاذ منها إلى ما هو أكبر. فتعزيز الأمن والاستقرار والأمان هو أقوى سلاح لمواجهة تيارات الإسلام السياسي والحركات التي تتغذى على الدين بجعله مطية سهلة تدغدغ به عواطف العوام التي لم تصمد في الدول التي تأثرت كل مناحيها سلباً بمسمى «الربيع». إن عودة السياسة الخارجية القطرية لما يخدم المصلحة الخليجية الخاصة هو عين الصواب وهو الذي يوقف المتربصين بنا عند حدهم ويمنع الحالمين بهذا «الربيع» من تحقيق مآربهم في دولنا.