هناك عدد من الأسباب تجعل أوباما لا يريد الانخراط في سوريا. وعندما أقول الانخراط فلا أعني تقديم الدعم الإنساني، أو المشاركة في مباحثات جنيف، بل أعني على وجه التحديد عسكرة الدور الأميركي إما من خلال تسليح المعارضة بمعدات متطورة، أو التدخل العسكري الأميركي المباشر، أو بهما معاً. فمن الواضح اليوم أن السياسة التي دافع ويدافع عنها أوباما، والقائمة على عدم الانخراط في سوريا بالمفهوم الذي حددته، لن يكتب لها النجاح. ولعل تصريحات وزير الخارجية، جون كيري، الأخيرة حول محدودية السياسية الأميركية في دمشق واستمرار الأزمة الإنسانية الطاحنة، وتعثر المسار الدبلوماسي في جنيف، ثم تلكؤ دمشق في تسليم أسلحتها الكيماوية، هو خير دليل على أنه بعدم القيام بشيء لن تغير الولايات المتحدة الأمور لتبقى كما هي على سوئها، إلا أنه رغم هذا التحليل الذي يؤكد فشل السياسة الأميركية في سوريا، فالراجح أن الاستراتيجية الأميركية المتحفظة في سوريا لن تتغير، والسبب هو ما عبّر عنه أوباما بنفسه بصراحة ووضوح في حوار أجراه مع مجلة «ذي نيويوركر»، حيث كان لافتاً سماع أوباما وهو يتحدث دون غموض، سواء اتفقنا مع سياسته أم لا. وفي حواره ذاك قال أوباما: «أشعر بالصدمة لما يجري في سوريا، لكني لا أخجل من قرار عدم الانخراط في حرب جديدة بالشرق الأوسط، فمن الصعب تخيل سيناريو أفضل لو أننا تدخلنا في الحرب، عدا استعدادنا لبذل جهد يوازي في حجمه ونطاقه ما قمنا به في العراق. وعندما أسمع الناس يقولون إنه لو موّلنا المعارضة وسلحنا فصائلها في وقت مبكر ما كان الأسد ليبقى في السلطة اليوم، ولكُنا بصدد انتقال سلمي، فإني أقول إن الأمر محض خيال». لكن رغم هذا السبب الوجيه حسب أوباما، والذي يدعوه إلى عدم التدخل في سوريا، هناك أيضاً سبب آخر نادراً ما يشير إليه، وإن كان أحد العوامل المهمة في صياغة سياسة أوباما تجاه سوريا. هذا السبب ينبثق بالأساس من أحد الأهداف المهمة للإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، وهو التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. فباستثناء هجوم جديد من «القاعدة» على أميركا، تظل إيران القضية الأولى في السياسة الخارجية القادرة على نسف ما بقي من سنوات في رئاسة أوباما. فلو فشلت الدبلوماسية وانطلقت إيران في التسلح النووي، أو حتى اقتربت من الوصول إلى القنبلة، سينفتح المجال أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة: أولا أن يتعرض أوباما للوم شديد لأنه القائد الذي تحت رئاسته فاز الملالي بالقنبلة، وثانياً ستقدم إسرائيل على ضرب إيران، أما السيناريو الثالث فسيكون اضطرار أميركا للتصرف كي لا تجد نفسها منجرّة وراء إسرائيل في حرب مع إيران. وفيما سيُظهر الحدث الأول في حال حصوله سذاجة أوباما، سيغرق الاحتمالان الآخران الولايات المتحدة في حرب صعبة بتداعياتها الاقتصادية وتأثيراتها السلبية على القوات الأميركية في أفغانستان. لذا يبقى الهدف الأساسي لأوباما في المنطقة هو تجنب الدخول في مواجهة مع إيران. لكن ما موقع سوريا من كل هذا؟ يكمن الجواب ببساطة في أنه لكي تنجح الأمور مع إيران، على أميركا الحديث إلى الإيرانيين وليس إطلاق النار عليهم في سوريا، بل إن آخر ما يريده أوباما هو تدخل عسكري مباشر في سوريا يؤدي إلى حرب بالوكالة ويخلق انطباعاً لدى الإيرانيين بأن السياسة الأميركية تقوم على تطويق النظام العلوي في دمشق بمساعدة الأنظمة السنّية الحليفة لأميركا. بيد أن منتقدي أوباما يردون، شارحين منافع التدخل العسكري في سوريا وإسقاط الأسد، كونه سيحد من نفوذ إيران وسيدفعها إلى خفض طموحاتها النووية. لكن من الصعب الجزم بهذه النتيجة. فمع أن سوريا ليست بحيوية العراق بالنسبة لإيران، فإنها تبقى مهمة، فبدون نظام صديق في دمشق لن تستطيع إيران المرور إلى لبنان وحلفائها الشيعة، فيما تبقى الفرضية الأخرى المتعلقة بالحد من نفوذ إيران في حال انتزاع سوريا أقل تماسكاً. فأي استراتيجية قائمة على محاصرة إيران وتطويقها بمساعدة الأنظمة السنية في المنطقة قد تسرع من جهودها النووية. هل يمكن القول إذن بأن سياسة أوباما في سوريا رهينة حساباته الإيرانية؟ بالطبع لا، لكنها تلعب دوراً كبيراً في تحديد المقاربة الأميركية تجاه الحرب الأهلية المستمرة في سوريا، وسيكون من السذاجة القول إنه عندما تراجع البيت الأبيض في سبتمبر الماضي عن التدخل العسكري في سوريا، بعدما تجمعت سحب العمل العسكري في سماء المنطقة، لم يكن للأمر علاقة بالحسابات الإيرانية. فلا ننسَ أنه بالموازاة مع هذا التراجع كانت المفاوضات الإيرانية الأميركية السرية جارية على قدم وساق. والسؤال اليوم هو ما إذا كان أوباما، وبالنظر إلى اختياراته السياسية التي أقدم عليها في المنطقة، سينجح في تحقيق أهم أولويتين له في الشرق الأوسط: وهما إقناع الأسد بالجلوس إلى طاولة المفاوضات ليتخلى عن السلطة، وكبح التطلعات النووية الإيرانية؟ الحقيقة، وبالاستناد إلى تجربتي الحكومية، أشك في قدرة أوباما على النجاح، فلا وجود في عالمنا اليوم لهذا النوع من الدبلوماسية المثالية، وما آمله هو أن تنجح سياسة الإدارة تجاه إيران، وإلا سيتعرض أوباما لهجوم شديد لأنه سيكون الرئيس الذي فشل في بلدين أساسيين بالشرق الأوسط بثمن باهظ: امتلاك الملالي للقنبلة النووية واستمرار النظام السوري في ارتكاب فظاعاته، متحدياً الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. ــ ـ ـ ـ باحث في مركز وودرو ويلسون الدولي ومستشار سابق لوزارة الخارجية الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»