بفعل التكنولوجيا، وما يخرج من رحمها من ابتكارات وتطبيقات، تختلف الحياة التي نعيشها الآن كثيراً عن الحياة التي كنا نعيشها منذ عام أو عامين، وتختلف جذرياً عما كنا نعيشه منذ عقد، ولا محل للحديث بالطبع عن مدى اختلافها عما كان يعيشه أجدادنا منذ قرن أو عدة قرون. فالتكنولوجيا أعادت صياغة ثقافة الشعوب، وبدلت مأكلهم وملبسهم ومسكنهم وعلاقتهم بالآخرين، وأحدثت تغيرات جوهرية في قيمهم وأخلاقهم، وبدلت من طرق التعلم وطرق الإنتاج ووسائل النقل والانتقال، بل أعادت صياغة العلاقة بين الحكومات والشعوب، فأحدثت تحولات جذرية في النظم السياسية والاجتماعية والقانونية والعسكرية والأمنية، وغيرها. وبفعل التكنولوجيا أيضاً سيكون المستقبل مغايراً تماماً لما نعيشه الآن، وستكون وتيرة التغير أسرع مما حدث في الماضي ومما يحدث الآن، ولا أحد يعلم إلى أين سيكون الاتجاه، فيما يبدو تحدياً صعباً بالنسبة للعالم أجمع، وبالتالي فعلى من يعيشون في هذا العالم، أفراداً ومؤسسات ودولا، الاستعداد لذلك المستقبل، من أجل تحويل التحديات التكنولوجية إلى فرص، وتطويعها لتحقيق أهداف التنمية على المستوى الوطني لكل دولة، وتسخير تطبيقاتها كأداة للتقارب بين الدول والمجتمعات، للتوصل إلى نموذج تنموي عالمي يخدم البشرية جمعاء. وفي هذا السياق نجح المؤتمر السنوي التاسع عشر لـ«مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية» تحت عنوان «التكنولوجيا: التأثيرات والتحديات والمستقبل»، خلال الفترة بين 18 و19 مارس الجاري، برعاية كريمة من الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية»، في تسليط الضوء على أبعاد هذه القضية الحيوية، والخروج برؤى ثرية يمكن أن تساعد صانعي القرار في صياغة استراتيجية فاعلة لاستثمار التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها المختلفة في دعم خطط التنمية واقتصاد المعرفة في دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم أجمع. ولقد عبَّر سعادة الدكتور جمال سند السويدي مدير عام «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية»، في كلمته الختامية للمؤتمر، عن اعتزازه وتقديره لما دار من نقاشات علمية معمقة خلال جلساته، وتسليطها الضوء على الكثير من الأبعاد والتأثيرات المختلفة للتطور التكنولوجي العالمي، وما يحمله ذلك من تطور وتحديات وفرص ورهانات في مختلف جوانب الحياة. وطرح سعادته العديد من الأفكار الخلاقة التي تجسد الفلسفة والمنهجية العلمية التي يتعامل بها «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية» مع هذه القضية الحيوية، وهي: أولا، أن شبكة المعلومات الدولية والتكنولوجيا أصبحت بمنزلة «الجهاز العصبي الجديد لكوكبنا»، والمعرفة مصدر أساسي للثروة وهي سلعة ذات مردود اقتصادي هائل، وأنها ستكون محوراً من محاور القوة والنفوذ في القرن الحادي والعشرين، وعلى الدول والشعوب ضرورة اللحاق بركب إنتاجها من دون الاكتفاء باستهلاكها. ثانياً، أن الإنسان هو محور التطور المعرفي والتكنولوجي وهدفه الأساسي، وهو من يتحكم في وتيرته وطرق الاستفادة منه، ومن ثم فإن الاستثمار في تنمية رأس المال البشري يظل هو العامل الحاسم في هذه المعادلة الاستراتيجية. ثالثاً، نظراً إلى الفجوة المتزايدة بين التقدم والتخلف التكنولوجي، وما يترتب عليها من آثار سلبية، فعلى دولنا المشاركة في الجدل والنقاش العالمي حول الأبعاد الأخلاقية والقيمية للتطورات التكنولوجية في مختلف جوانب الحياة، بما يضعها في مصاف الدول المؤثرة صانعة المستقبل. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.