أمضى الزعماء الروس، خاصة بوتين، سنوات عديدة في محاولة إقناع الدول الأوروبية بالامتناع عن التوسع في إنتاج الغاز الصخري، وذلك لأسباب مفهومة أولها أن هذا التحول سيشكل تهديداً على المدى الطويل للهيمنة الروسية على أوروبا في مجال الطاقة. غير أن الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم يعطي أوروبا الحماس مجدداً لمواصلة عملية التكسير (التصديع) الهيدروليكي، لاستخراج الغاز الطبيعي من الصخر الطيني ليتحقق في النهاية ما أمضت روسيا سنوات في محاولة تجنبه. وقد كانت القارة العجوز تتردد إلى حد كبير في استخدام تكنولوجيا الحفر التي مكنت الولايات المتحدة من إحداث طفرة في مجال الطاقة، رغم الدلائل التي تشير إلى أن أوروبا تتصدر الاحتياطات الوفيرة من الغاز الصخري. إلا أن عدداً قليلا من الدول، في مقدمتها بولندا وبريطانيا، هي التي كانت تفكر بشكل جدي في الإقدام على هذه الخطوة، بينما امتنع عدد كبير من الدول الأخرى تماماً عن التفكير في هذا الخيار. ورغم ذلك، فهناك مؤشرات متزايدة على أن سلوك روسيا الأخرق قد يغير من حسابات أوروبا الخاصة بالطاقة بصورة جوهرية. وهذا الأسبوع، مرّر البرلمان الأوروبي تشريعات في مجال الطاقة تضمنت قواعد بيئية أكثر صرامة للتنقيب عن النفط والغاز، لكنها استبعدت على وجه التحديد مشروعات الغاز الصخري من اللوائح الجديدة. وكانت الإعفاءات الضريبية التي مررتها بولندا تهدف إلى تنشيط التنقيب عن الغاز الصخري بشكل واضح. كما دعت جماعات الضغط التجارية الأوروبية الكبيرة، ومن بينها منتجو الصلب ومنظمات أرباب الأعمال في الاتحاد الأوروبي، القارة لتبني سياسة التنقيب عن الغاز الصخري كوسيلة للخروج من قيود الطاقة التي تخنقها. و«نظراً للضرورة الملحة بالنسبة للاتحاد الأوروبي لتنويع مصادره من الغاز ولإيجاد حلول للفروق الضخمة في أسعار الطاقة مع المنافسين الرئيسيين، فإننا لا نرى أي بديل سوى المضي قدماً بأسرع ما يمكن لاستغلال الغاز الصخري كجزء من المصادر المختلطة للطاقة في أوروبا مع الاحتفاظ بكافة الاحتياطات اللازمة أثناء اتباع هذا النهج»، حسبما جاء على لسان «جوردون موفات»، وهو أحد المديرين بشركات الصلب الأوروبية، في بيان هذا الأسبوع بعد يوم واحد على إرسال خطاب إلى قادة الدول والحكومات الأوروبية للدعوة إلى إحداث تغيير في السياسات في مجال الطاقة. إن الدعوة إلى الاهتمام بتقنيات استخراج الغاز الصخري ليست وليدة اليوم، إذ كانت مجموعات الأعمال التجارية تنادي بإنتاج الغاز الصخري حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا الذي سبب ظهور بعض المخاوف من أن موسكو قد تستخدم الطاقة كسلاح لمنع الأطراف الأوروبية من التدخل. وحتى في فرنسا، حيث يوجد عدد من أكثر الجماعات البيئية حماساً في القارة، يأتي من ضمن المدافعين عن تقنية استخراج الغاز الصخري وزير الصناعة «أرنو دي مونتبورج». لكن في الماضي، كان المدافعون عن تقنية التصديع والاستخراج يركزون على الحجج الاقتصادية، ومن بينها الخوف من أن تمنى الشركات الصناعية الأوروبية بخسائر كبيرة مقارنة مع نظيراتها في الولايات المتحدة المحظوظة بامتلاكها وفورات رخيصة نسبياً من الغاز الطبيعي التي تستخدم في مجال الطاقة إلى جانب كونها عنصراً أساسياً في صناعة البتروكيماويات مثل البلاستيك والديزل (السولار) المشتق من الغاز. والآن، وعلى الرغم من ذلك، فإن مخاوف أمن الطاقة التي أطلقها سلوك روسيا العنيف صارت هي أيضاً ضمن الحجج الاقتصادية في ترسانة المدافعين عن استخدام تقنية «التصديع». من جانبها، قالت «إليزابيث روزنبرج» مديرة برنامج أمن الطاقة في مركز الأمن الأميركي الجديد: «لقد كان الأمر تعزيزاً لموقف أوروبا بطريقة لم نرها في أحداث قطع الغاز خلال عامي 2006 و2009»، مؤكدة أن «هذا يخدم الجهود التي هي حالياً قيد التنفيذ، لكنها عملت على جعل العامة وصناع القرار يفكرون بشكل خلاق حيال خيارات الطاقة المتاحة. وكيفية استغلالها». ويذكر أن انخفاض أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة على خلفية ارتفاع الإنتاج من موارد الغاز الصخري حفز متخذي القرار على إعادة النظر في سياسات الطاقة والمناخ. وبدأ الساسة في أوروبا وأماكن أخرى أيضاً من العالم يسعون لعدم التخلف عن الركب. لقد دفع قطاع الصناعة في أوروبا ثلاثة أضعاف أسعار الغاز والكهرباء مقارنة مع الولايات المتحدة في عام 2011. ويعتبر تطوير موارد الغاز الصخري في أميركا أحد الأسباب الرئيسة وراء اتساع الفجوة في أسعار الطاقة. كما أن طفرة الغاز الصخري في الولايات المتحدة حفزت المفوضية الأوروبية على إعادة النظر مرة أخرى في سياساتها الخاصة في هذا الجانب. ولهذا لاحظ إطار سياسات المفوضية الجديد للمناخ والطاقة للأعوام من 2020 إلى 2030، أن مستخدمي الطاقة في الصناعة والمنازل يشعرون بالقلق على نحو متزايد بسبب ارتفاع أسعار الطاقة واتساع الفجوة بينهم وبين العديد من شركاء الاتحاد الأوروبي التجاريين، خصوصاً الولايات المتحدة. وتعترف المفوضية بخطورة انتقال صناعتها الثقيلة إلى أماكن أخرى من العالم. وقد وضع الاتحاد الأوروبي قيوداً على اثنين من مشاريع خطوط الأنابيب الروسية لتوريد الغاز الطبيعي إلى أوروبا، كجزء من جهود أوروبا الرامية إلى تكثيف الضغوط على موسكو بسبب توغلها في شبه جزيرة القرم، وهذه الخطوة تأتي في سياق تكثيف الضغوط على موسكو بسبب تدخلها العسكري في شبه جزيرة القرم، وترمي في النهاية إلى ضرب طموحات روسيا الكبرى. ------- كيث جونسون محلل سياسي أميركي ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»