في ظلّ هذا الصراع الإقليمي المحتدم. وغياب شرطي العالم الأميركي عن الأحداث الشرق أوسطية، واتخاذ روسيا ممارسات غير إنسانية تجاه الأحداث العربية، كل تلك المحفزات جعلت التوجه نحو الشرق ضرورة. بعض دول الشرق شهد جولات قادة خليجيين. فملك البحرين حمد آل خليفة زار الهند، وولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز زار باكستان، واليابان، والهند، والصين، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد زار اليابان وكوريا الجنوبية، في صناعة توازنات إقليمية متنوعة. ساهم ضعف إدارة أوباما في التعاطي مع قضايا العالم، وبخاصة في الملف السوري المأساوي، في صياغة هذه التوازنات. الأسبوع الماضي شهد حواراً لافتاً لوزير الخارجية الصيني «وانغ يي» في «الشرق الأوسط»، وضع أسساً للتعاون بين الصين والسعودية، وقال: «إن ما يهمنا في منطقة الشرق الأوسط، يتمثل في نقاط: أولا العدالة، أي حماية القواعد الأساسية للعلاقات الدولية، واحترام خيارات الشعوب بإرادتها المستقلة. ثانياً السلام، أي حماية استقرار المنطقة، ودفع الحلول السياسية للقضايا الساخنة. ثالثاً التنمية. إن التنمية السليمة في دول الشرق الأوسط تصب في مصلحة العالم، وفي مصلحة الصين أيضاً. رابعاً التواصل، أي تحقيق الاستفادة المتبادلة مما لدى الغير من مزايا، عبر الحوار بين مختلف الحضارات والتعلم المتبادل». ترى الصين أنه وبعد أكثر من ثلاث سنوات من اشتعال فتيل الحرب في سوريا، أجمعت الأطراف الدولية كافة، على أن الحرب لن تحل المشكلة، وأن تحقيق الحل السياسي عبر المفاوضات يمثل الطريق الوحيد للخروج من الأزمة. وقد أجرت الحكومة السورية والمعارضة جولتين من المفاوضات، في إطار مؤتمر جنيف لغاية الآن، حيث أعرب كلاهما عن رغبته في مواصلة المفاوضات، على الرغم من وجود خلافات وصعوبات، وهذا ليس أمراً سهل المنال! هذه هي الرواية الصينية الرسمية حول الأزمة السورية، وخلاصتها أمران:الحل السياسي، إجراء المفاوضات بين النظام والمعارضة. الصين تستطيع إن تخلت عن تقوقعها أن تساهم في حل المشكلات والإسهام في إيجاد مقاربات للأزمات الكبرى في المنطقة. وأتفق مع الأستاذ عبدالرحمن الراشد الذي رأى أن «الصين لن تحل محل أميركا، لكنها ستكون لاعباً مهماً، وهي تختلف في فلسفتها وممارستها عن روسيا التي أظهرت وجهاً قبيحاً في كل مكان تدخلت فيه». قد يكون الدور الصيني متواضعاً في البداية، لكنه دور مهم دون شك. ومن الواضح أن الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي ستكون مدخلا للتعاون بين بكين والرياض بدءاً من التعاون الاقتصادي، وصولا إلى التعاون السياسي لملء هذه الفراغات التي سببها ترهل الدبلوماسية الأميركية العاجزة. الآن دور التنين الآسيوي وبقية النمور أن تكون لهم كلمتهم في هذا العالم المثقل بالصراع. يتعجّب الصينيون من مستوى الكراهية الذي يخالط الأزمة السورية. وبالفعل فقد كشفت هذه الأزمة عن كل دمامل الحقد والثارات المطمورة على مدى قرون، وبعثت انتقامات القرون الأولى، ولكأننا نعيش في عصور الانحطاط لا في القرن الحادي والعشرين. وحُقَّ للصين أن تتعجب، لكن واجبها أن تكون أكثر فاعلية، بوصفها دولة كبرى!