على ضوء سحب كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين لسفرائها في الدوحة تتعرض السياسة الخارجية القطرية لهزة عنيفة ربما يكون لها تداعياتها المستقبلية المؤثرة على قطر وكامل الإقليم الخليجي. ولم يأت سحب السفراء من فراغ، ولكن لأسباب موضوعية وجوهرية تتعلق بأمن الدول الثلاث المعنية وبمجمل العلاقات في داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي، وقد أتى قرار الدول الثلاث باتخاذ هذا الموقف الحازم لكي يثير دهشة كافة المراقبين لشؤون دول المجلس، لأنه كان مفاجئاً، ويُشكل ظاهرة جديدة وفريدة وغير مسبوقة ضمن منظومة دول المجلس وكرد فعل منطقي على سلوك السياسة الخارجية القطرية المثيرة للجدل والمحيرة في العديد من جوانبها. المهم أن أحد منطلقات السياسة الخارجية القطرية الرسمية هو إفصاحها عن نفسها بأنها مستقلة، بمعنى أنها غير تابعة لأية جهة وغير منحازة لجهة دون أخرى، لكن قطر في الواقع تحتضن الكثيرين من فلول «الإخوان المسلمين» والمنظمات والجماعات الأخرى التي تشكل خطراً على أمن دول المجلس وتتحالف معها في منطلقاتها السياسية والاستراتيجية، وما يمليه ذلك من مواقف خطيرة، وربما تتحول إلى كارثية مستقبلاً على قطر ذاتها. وما نفهمه كمراقبين ودارسين لعلم السياسة، أن الأهداف الرئيسية لسياسة قطر الخارجية هي تأمين استمرارية قطر السياسية كدولة وطنية ذات سيادة، وضمان استمرار رفاهية البلاد الاقتصادية حيث يعتمد كلا الأمرين على بعضهما بعضاً وكليهما خاضع للمنغصات التي يتسبب فيها صغر الحجم والاعتماد على البيئات الداخلية والإقليمية والعالمية، فأين كل ذلك من إيواء فلول «الإخوان المسلمين» واحتضانهم وتشجيعهم على مهاجمة الأشقاء؟ من المفترض أن تكون قطر حريصة على تأمين وجودها السياسي وأن تركز الأهداف السياسية والدبلوماسية القطرية على تطوير علاقات إيجابية مع جميع حكومات دول جوارها الجغرافي وعلى العضوية النشطة والفعالة والإيجابية ضمن منظومة دول مجلس التعاون، الذي يعد محتوى مهماً وحاضناً لهذه الاستراتيجية، لكن قطر درجت منذ ما يقارب العشرين عاماً أو يزيد على اتخاذ مواقف وسياسات ربما أن الظروف الموضوعية المرتبطة بموقعها ومساحتها الجغرافية وقلة عدد سكانها وإمكانياتها الاقتصادية والعسكرية لا تتيحها لها، وهنا يبرز أمام قطر سؤال مع النفس، يجب أن يتم التوقف عنده بكل موضوعية: فهل تتحمل دولة بحجم قطر سياسة خارجية كالمتبعة حالياً، وما مخاطر ذلك وتداعياته الحالية والمستقبلية؟ الواقع أنه في عالم اليوم قلما تواجدت دول صغيرة تمارس سياسات خارجية من هذا القبيل، فجميع الدول الصغيرة تحرص على أن تكون سياساتها الخارجية متوازنة تراعى فيها اعتبارات شتى تتعلق بحجمها وإمكانياتها. وبالنسبة لقطر بالتحديد نعتقد بأن معرفتها بقدرتها على تحمل تبعات سياسة خارجية، كالتي اتبعت خلال الفترة المذكورة الماضية يمكن قياسه من خلال منهج الربح والخسارة، وهما أمران يصعب قياسهما في حالة السياسة الخارجية القطرية، لأن ذلك خاضع لما تعتقده هي كدولة صغيرة بأنها تربحه أو تخسره من خلال اتباعها سياسة خارجية معينة، وسحب ثلاث من دول المجلس محيطة بها لسفرائها من الدوحة خسارة جسيمة لها، وبالتأكيد أن قطر لا تقر بخسارتها هذه خاصة من خلال قراءة بيان مجلس وزرائها حول الموضوع وما يردده إعلامها ويركز عليه بأن بلاده تحقق العديد من المكاسب من خلال ما تنتهجه من سياسات. خاتمة القول هي أن الشعب القطري شقيق لنا وعزيز علينا ونريده من أوساطنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فسلامة أهل قطر من سلامتنا وعزتهم من عزتنا.