على كثرة ما صدر خلال السنوات الثلاث الماضية من كتب عن الحراك العربي الذي سمي إعلامياً في الغرب بـ«الربيع العربي» إلا أن تقديم ما جرى ويجري في دول شمال أفريقيا وسوريا واليمن ظل في الغالب مراوحاً في تلك الأعمال بين التفكير الرغائبي حيناً، والتنظير والوعظ السياسي حيناً آخر، دون ملامسة واقع ما يسجل من وقائع وأحداث على الأرض والنظر إليها في راهنيتها، ومن منطلق أحكام الواقع لا أحكام القيمة. وبوصف ما هو كائن فعلاً، لا الحديث عما ينبغي أن يكون. ولعل واقع المفارقة هذا في طفرة التأليف عن «الربيع العربي» في الغرب ومجافاة كثير منه للواقع العربي بكل تعقيداته وتحدياته، هي ما دفع المؤلف وعالم السياسة المتخصص في الشؤون العربية سامي عون لنشر كتابه الصادر مؤخراً تحت عنوان «الربيع العربي.. منعطف أم سراب»، الذي يسعى فيه لتقديم مجريات الأحداث العربية في حقيقتها، مصححاً بعض الصور النمطية والأحكام المسبقة السائدة تقليدياً في المخيال الغربي عن المنطقة، مقابل صور وردية أخرى شائعة أيضاً في المخيال العربي عن مفاهيم نظرية مثل الديمقراطية والتجديد والتحديث وغيرها كثير. وقد اختار المؤلف أن يجعل الكتاب في شكل إجابات مقترحة على أسئلة الواقع العربي الراهن، تولى الكاتب والأكاديمي ستيفان بورغي طرحها، ليصدر الكتاب في شكل حواري عميق ورصين بين أكاديميين مبرزين في مجال العلوم السياسية والدراسات العربية، وفي حجم موجز مغرٍ بالقراءة لا يتجاوز 143 صفحة. وفي البداية يقول الكاتب إن «الربيع العربي» الذي بدأت أحداثه مع مطلع عام 2011 أطلق آمالاً بالتجديد والتنمية في دول شمال أفريقيا التي كانت تعاني من انسدادات اقتصادية واحتقانات سياسية عميقة، وبسرعة تلقف الغرب أوهام هذا «الربيع» وراح يتحدث عن موجة «دمقرطة» مقبلة في تلك المنطقة التي كانت تصنف عادة لدى المنظرين السياسيين الغربيين ضمن خانة مناطق الاستعصاء الديمقراطي. ولكن بعد مرور ثلاث سنوات الآن على انطلاق ذلك الوعد والأمل جرت مياه كثيرة من تحت الجسر في دول شمال أفريقيا وسوريا، ولم يتحقق شيء من الوعد الديمقراطي على النحو الذي كان مفترضاً في البداية. فقد قفزت بعض جماعات الإسلام السياسي ضمن زحام الأحداث وحاولت ركوب موجة التغيير لتجيير كل ما جرى لصالحها، بهدف تمرير أجندات أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها غير متوافقة أساساً مع الديمقراطية كقيمة سياسية، وكممارسة عملية. وقد سعت تلك الجماعات لفرض تأويلات متشددة للنص الديني بحسب فهمها، وإسقاط إيديولوجياتها الحزبية الخاصة على الدين وعلى السياسة معاً في مجتمعات دول «الربيع العربي». وزاد الوضع تعقيداً مع ارتماء بعض تلك المجتمعات في أجواء من العنف والتطرف، أفقدت التغيير السياسي معناه، وحرمت الممارسة الديمقراطية من أهم شرط من شروط قيامها أصلاً وهو الاستقرار، وكانت النتيجة كارثية بكل المقاييس حيث سادت ثقافة إقصاء الآخر، والتعدي على حقوق الأقليات، وارتماء بعض تلك البلدان في أجواء حرب أهلية حقيقية كما هي الحال في سوريا مثلاً التي تجاوز عدد القتلى فيها خلال السنوات الثلاث الأخيرة 140 ألفاً، إضافة إلى ملايين اللاجئين والمشردين والنازحين. ولا يغفل سامي عون أيضاً في كتابه تدخل الأطراف الدولية في «الربيع العربي» خلال السنوات الثلاث الماضية، وتشابك المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المزمنة في مجتمعات دول «الربيع»، وتعثر وتعذر تحقيق الوعود المطلبية التي أطلقتها نظم ما بعد التغيير، بفعل عدم جاهزية وارتباك وارتجال بعض القوى السياسية التي طفت بها موجة الحراك العربي، وخاصة أن المشكلات الاقتصادية الهيكلية التي تعاني منها تلك الدول تحتاج إلى جهد ووقت كبيرين للتغلب عليها، ولتهيئة ظروف أخرى بديلة قادرة على الاستجابة لتطلعات الأعداد الكبيرة من الشباب التي قادت عمليات إسقاط النظم السابقة لأسباب مطلبية معلنة أقلها توفير فرص العمل، وتيسير سبل الحياة الكريمة، وتغيير المقاربات التنموية الفاشلة، ومحاربة الفساد. وهي كلها مطالب ما زالت غير متحققة، وما زال الوعد بالاستجابة لها منكوثاً على أقل تقدير. حسن ولد المختار الكتاب: الربيع العربي... منعطف أم سراب؟ المؤلف: سامي عون الناشر: ميدياسبول تاريخ النشر: 2014