عاشت البشرية يوم السبت المنصرم 8 مارس يوم المرأة العالمي، اليوم الأكثر رهافة وحناناً وعطاء، أو الذي نفترض أنه هو ما ينبغي أن يكون كذلك. ولكنه - للأسف يعادل عمق الكون وشموله - ليس كذلك؛ بل هو يوم يكاد أن يكون حمّالاً للأسى ورمزاً للشقاء اللذين تعاني منهما البشرية، وبنحو خاص النساء والأطفال والكبار. وإذا دققنا في الأسباب الكامنة وراء ذلك، وجدناها كثيرة فاحشة مفجعة، أما السبب الأخطر والأكثر إيلاماً فيتمثل في الحروب التي تشتعل بين الشعوب وبين فرقاء من شعب واحد. وهذا غالباً ما يكون أكثر شراسة وديمومة حين تختلط الأسباب وكذلك حين تتسع دائرة المتحاربين، ويتحول البلد الخاضع للحرب إلى ميدان قتال بين عدة فصائل ومن بلدان متعددة، كما هو الحال الآن في سوريا. ونحن جميعاً نعلم أن وراء الحروب تمكث مصالح كبرى وصغرى، وفي حالات كثيرة تغيب أو تُغيّب تلك المصالح، لتزيد الاضطرابات وأنواع المصادمات، وشيئاً فشيئاً، تتسع الحرب، كما هو الحال في سوريا، وفي بلدان عديدة أخرى إلى درجة الشمول الجرمي بشراً وحيواناً، ويكون النزوح والهروب والبحث عن مكان آمن من نصيب النساء والأطفال والشيوخ، وفي سياق ذلك، تتعاظم عمليات القتل والاغتصاب للأطفال من الجنسين وللنساء. أما هذا العام فقد اندلعت حروب أو أحداث عربية في سوريا ومصر وليبيا واليمن وغيرها، وكأن ما يُدعى «الربيع العربي» أصبح قدراً أو ما أصبح كذلك. لقد سقط مئات الألوف من النساء والرجال والأطفال. ونلاحظ أن المصالح المادية الجشعة والرغبات الإجرامية في السلطة تتسع راهناً تحت إطار الحرب الباردة الجديدة، مع الاتجاه إلى تحويل السلاح خصوصاً منه ذلك النوع الثقيل والمحظور دولياً مثل القنابل العنقودية والبراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي: إن عالماً من السلاح يتعاظم ليسهم في منح المعادلة العولمية طابعاً أكثر شراسة وعنفاً، فالقول بأن العولمة هي السوق الكونية المجسدة للسلعة والمال، أصبح قابلاً لتوسيعه في مرحلتنا بأن نضيف إلى العامليْن السابقين عاملاً آخر ثالثاً هو السلاح. وهذا ما نواجهه في الحرب السورية والأخرى. إن ترك السلاح في أيدي سادته وسادة المال والسلطة يؤسس لحالة من زعزعة العالم قد تترك آثاراً لا تنمحي لعقود أو - وربما ليس ثمة مبالغة في القول: لنصف قرن! ها هنا لا يمارس السلاح وحده الدور الماحق، بل هنالك كذلك المنظومات الأخلاقية الجديدة أو المستجدة، والتي تقوم على الحقد على الشعوب وعلى توسيع ذلك وتعميقه في اتجاهات الثأر والطائفية والعرقية في حياة أولئك الآخرين. فيكون ذلك بمثابة تأسيس لأممية فاشيّة جديدة، أي لحاضنة كونية لسونامي لا يبقي على شيء ولا يذر. ولقد سبق وشاهدنا شيئاً قريباً من ذلك مع تفكك المنظومة الاشتراكية في مرحلة أواخر القرن العشرين، كان ذلك هائلاً في تأثيراته على العالم أجمع. ولقد أتى ذلك بمثابة بدايات لتفكك الدولة الليبرالية، بما احتضنته من معالم ديموقراطية هنا وهناك. كانت المرأة قد عاشت خطاً هابطاً صاعداً متنقلاً من مرحلة «العشيقة أو الزوجة» إلى مرحلة «الكادحة في السوق»، وأخيراً إلى الكفاح «ضد أنثوتها المستباحة وكفاحيتها العاثرة». إن ذكرى بداية ثورتها قبل ثلاث سنوات (في 13 - 03 - 2011) إن هي - في صيغتها السورية، إلا رصدٌ لتاريخها الصاعد من بؤسها وخذلها إلى حُلمها الطافح آمالاً وردية. معنى «تحرير المرأة» في يوم عيدها في هذا العام هو مواجهة الموت والاضطهاد والاغتصاب والتهجير على أيدي غلاة الطائفية والإجرام والفاشية (وهم الأقلية)، إن قوى الحرية والحداثة وللعدالة والتنوير هي المدعوة إلى تجسيد الحاضنة الاجتماعية التاريخية لتحرير المرأة من استباحتها مع جموع الملايين من الأطفال والشيوخ. إن المعنى والمغزى الحقيقين لمناسبة عيد المرأة العالمي إنما يتجليان في خلق مجتمع سوري يتمثل حقاً معاني الديمقراطية بما تشترطه من تعددية وتقدم.