في جولة اقتراع حاسمة، توجه الناخبون في السلفادور يوم أمس الأحد إلى صناديق التصويت لاختيار رئيس جديد للبلاد من بين متنافسين اثنين سبق أن اجتازا الشوط الأول من الاقتراع، وينتظر أن تُسفر النتائج المتوقع إعلانها اليوم عن فوز أحدهما بمقعد الرئاسة. لكن نتائج الشوط الأول في فبراير الماضي، تُظهِر تقدم نائب الرئيس المنتهية ولايته سلفادور سانشيز سيرين بفارق 10 في المئة على خصمه نورمان كويخانو، مرشح «التحالف الجمهوري القومي المعارض». هذا فيما تبقى هناك خلافات سياسية واضطرابات أمنية تنهك السلفادور بعد أكثر من عقدين على انتهاء الحرب الأهلية فيها. فمن هو سانشيز سيرين الذي ترجح معظم التوقعات فوزه بمنصب الرئيس؟ وماذا بجعبته من حلول لتسوية الخلافات وإنهاء الاضطرابات؟ سلفادور سانشيز سيرين سياسي سلفادوري، عمل مدرساً وكرّس حياته للعمل الثوري والنشاط السياسي، وهو عضو في «جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني» التي سبق أن خاضت حرب عصابات ضد الديكتاتورية اليمينية المدعومة من الولايات المتحدة في الثمانينيات، وقد أصبح نائباً لرئيس الجمهورية عقب انتخابات عام 2009، ثم مرشحاً عن الجبهة اليسارية الحاكمة في انتخابات الرئاسة الحالية. ولد سلفادور سانشيز سيرين في مدينة كازالتابك بمقاطعة «لاليبرتاد» بوسط البلاد عام 1944. وكان التاسع بين أشقائها الـ 12 الذين توفي منهم ثلاثة في سن مبكرة. وقد كافح والداه ألفونسو انطونيو سانشيز الذي كان يعمل نجاراً، ووالدته دولوريس روداس التي كانت بائعة في السوق، باجتهاد كبير لإعاشة أبنائهما وإعطائهما مستقبلا أفضل. ومع ذلك فقد عمل سيرين في سن مبكرة من حياته لمساعدة عائلته على توفير احتياجاتها المعيشية، حيث أدرك أهمية العمل الجماعي واكتشف مزاياه وكان لا يزال طفلا. أما دراسته الابتدائية فكانت مضطربة ومتقطعة، ولم ينتظم تعليمه إلا بعد التحاقه بمدرسة «جوس دولورز» الإعدادية، حيث أكملها ليلتحق بمدرسة «آلبرتو ماسفرير» لإعداد المعلمين في العاصمة سانسالفادور. وبعد تخرجه مارس التدريس بالمدارس العمومية في الريف على مدى عشر سنوات، واصل خلالها دراسته في جامعة السلفادور ليتخرج منها بشهادة في التاريخ. وفي مدرسة «آلبرتو ماسفرير» تشكل الوعي السياسي لدى سانشيز سيرين وبدأ المشاركة في بعض الأنشطة الطلابية، حيث صنعت منه خلفيته الاجتماعية، كواحد من أبناء الطبقة العاملة الفقيرة، ثائراً اشتراكياً وداعية لإعادة توزيع الثروة ومعادياً لرأسمالية السوق وحرية التجارة. ثم اغتنى وعيه السياسي من خلال المنظمات الديمقراطية والثورية التي كان عضواً فيها؛ ففي أواخر الستينيات بدأ ناشطاً في الحركة الطلابية ضد سياسة التدخلات الأميركية في كوبا وفيتنام، وفي السلفادور ذاتها، في إطار صحوة سياسية شهدتها أميركا اللاتينية استقطبت ملايين الطلاب والمعلمين وأبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة. وبعد الخبرة التي اكتسبها من نشاطه داخل الحركة الطلابية، انضم سيرين إلى عدة منظمات ثورية على مراحل متتالية، حيث أصبح عضواً في «حزب إبريل ومايو الثوري» (pram) الذي كان يعارض الديكتاتورية ويناهض الإمبريالية. ومن بعده التحق بحركة «الاتحاد الديمقراطي الوطني» (udn)، ثم بـ«حزب تجديد العمل» (par). ووضع سيرين جوهر خبرته وكل الأشياء التي تعلمها في خدمة نضاله من أجل التغيير داخل موطنه الأصلي «ليبرتاد»، حيث أصبح عضواً نشطاً في حركة «جبال الأنديز 21 دي جونيو»، وفي نقابة المعلمين التي سعت لتطبيق أفكار الفيلسوف البرازيلي باولو فريري حول «تعليم المقهورين». وبعد ذلك التحق في السبعينيات بـ«قوات التحرير الشعبية»، وهي واحدة من خمس منظمات يسارية ذات ميول ماركسية لينينية، اندمجت لاحقاً لتشكل «جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني». ومع بداية الحرب الأهلية في السلفادور، والتي اندلعت أواخر السبعينيات واستمرت 13 عاماً بين القوات النظامية مدعومة من قبل الولايات المتحدة، و«جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني» المتحالفة مع خمس منظمات يسارية مسلحة مدعومة من كوبا ونيكاراجوا والمكسيك، أصبح سيرين يعرف باسمه المستعار «ليونيل غونزاليس»، حيث عُين عضواً في قيادة الجبهة، ثم أصبح في عام 1984 قائدها العام، وظل في ذلك المنصب إلى أن تم توقيع اتفاق سلام «تشابولتيبيك» عام 1992، حيث سلّم مقاتلو الجبهة أسلحتهم وتحولت الجبهة إلى حزب سياسي معترف به قانونياً. ووفقاً لبرقية سرية تعود للسفارة الأميركية في سان سلفادور، فقد وصفت الجبهة أيديولوجيتها خلال الحرب في وثيقة بعنوان «البرامج الأساسية للثورة السلفادورية»، شملت النقاط التالية: تأسيس القواعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتطبيق النظام الاشتراكي، بناء الديمقراطية والاشتراكية بالتوازي، الجبهة هي حزب الطبقة العاملة، والأيديولوجية الماركسية اللينينية عقيدتها. وفي عام 2000، انتخب سانشيز سيرين نائباً في البرلمان، وأعيد انتخابه في عام 2003، ثم في عام 2006. وبين عامي 2001 و 2004 شغل منصب المنسق العام لحزبه، وبعد وفات الزعيم الشيوعي المخضرم «شفيق جورج حنظل» (ابن لمهاجرين فلسطينيين من بيت لحم)، عام 2006، حل محله سيرين على رأس الكتلة البرلمانية للجبهة. وفي أبريل 2007 ترشح عن الجبهة لمنصب نائب الرئيس، إلى جانب منسقها العام موريسيو فونيس، في انتخابات الرئاسة لعام 2009. واستطاع المرشحان إلحاق الهزيمة بمرشحيْ «التحالف الجمهوري القومي» الحاكم، لينهيّا عقدين من حكم المحافظين في السلفادور، ويشكلا أول حكومة يسارية في تاريخ البلاد، تقلد فيها سيرين منصب نائب الرئيس وحقيبة التربية، وكان من أهدافه وضع السلفادور على أقرب مسافة من اليسار الاجتماعي الجديد متمثلا في الشافيزية. ورغم أن السلفادور لا تزال لديها أحد أكبر معدلات جرائم القتل في العالم، ولا يزال ثلث سكانها يعيشون تحت خط الفقر.. فقد حصل سيرين في الجولة الأولى للانتخابات على 49 في المئة من الأصوات، وتوقعت له استطلاعات الرأي الحصول في الجولة الثانية على 55 في المئة. وقد تعهد خلال حملته الانتخابية بتوسيع البرامج الاجتماعية لصالح الفقراء، والتي تتضمن توفير كوب حليب يومياً للأطفال وتوفير زي مدرسي وأحذية وأدوات مدرسية بالمجان. كما تعهد بمحاربة الجريمة من خلال تعزيز الاستثمار المجتمعي، وتوفير تعليم أفضل، وتقوية جهاز الشرطة. وإذا ما فاز سيرين بانتخابات الأمس، وكان على وشك الفوز بالشوط الأول، فسيضمن لحزبه البقاء في الحكم لولاية ثانية، كما سيصبح أول زعيم تمرد سابق يشغل منصب الرئاسة في السلفادور. محمد ولد المنى