حرب باردة جديدة في أوكرانيا.. ومحنة إنسانية في سوريا صراع روسيا والغرب على أوكرانيا، وتداعيات أزمتها على أوروبا كوجود وحدود، ورصد الأمم المتحدة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا، موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. الأزمة الأوكرانية نشرت صحيفة لوموند مقالاً بعنوان: «أوكرانيا: هل هي بداية حرب باردة جديدة؟»، قالت في بدايته إن هروب يانوكوفيتش من الرئاسة الأوكرانية فاقم من الاحتقان والاستقطاب الشديدين بين أنصار روسيا وأنصار الغرب في أوكرانيا نفسها. وبسرعة أخذت الأحداث طابعاً تصعيدياً، حيث تم إرسال جنود روس دون ارتداء شارات وطنية على بدلاتهم العسكرية إلى شبه جزيرة القرم، وهي جمهورية ذات حكم ذاتي ضمن أوكرانيا وذات أغلبية ناطقة بالروسية، في حين أدانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هذا التدخل باعتباره خرقاً خطيراً للقانون الدولي. وطالبت الدول الغربية بصفة عامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باحترام الوحدة الترابية لأوكرانيا: الدولة المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق. وتساءلت الصحيفة: ولكن من المسؤول حقاً عن نشوب هذه الأزمة التي تعتبر هي الأخطر بين روسيا والغرب منذ نهاية الحرب الباردة؟ هل المسؤول هو النزعة التدخلية لدى موسكو وتطلعاتها التي قد تضع استقلال الدول المجاورة على المحك؟ أم أن الأوروبيين هم المسؤولون، لأنهم لم يفهموا الجغرافيا السياسية الحساسة لهذه المنطقة؟ ومثل هذه الأسئلة تحمل في حد ذاتها نصف الأجوبة، لأنها توحي بوجود مسؤوليات مترتبة على كلا الجانبين في الأزمة الراهنة. وفي افتتاحية أيضاً حول الأزمة الأوكرانية في لوموند تحت عنوان «دروس أوكرانية» قالت الكاتبة «ناتالي نوجايرد» إن هذه الأزمة التي تعصف الآن بقلب أوروبا ينبغي أن يستخلص منها الكثير من الدروس، وأولها درس حلم أو «شبح أوروبا» بالنسبة للأوكرانيين، والتضحيات التي يتكبدونها في سبيل ملاحقة هذا الحلم المؤجل. ولابد أيضاً من تسجيل دلالة تحول الدبلوماسية الروسية خلال الفترة الأخيرة بشكل صاخب وملفت وشديد التصميم يذكر ببعض توجهات دبلوماسية موسكو السوفييتية في أيام وزير خارجيتها الشهير «أندري جروميكو» خلال عقد السبعينيات. وليس سراً الآن أن موسكو تريد فرض نظام إقليمي أوروبي جماعي ومراجعة الترتيبات والتوازنات الراهنة، لتقليص حضور الأميركيين وتأثيرهم في القارة العجوز. وهذا التوجه الروسي ليس جديداً، وإنما هو قديم نسبياً، وقد ظهر حتى خلال العهد السوفييتي وخاصة مع توقيع اتفاقية هلسنكي في عام 1975. ونتذكر الآن جميعاً أن الحلف الأطلسي عندما ظهر أصلاً كان يهدف في سياسته الأوروبية، بحسب أول أمين عام له، إلى «إبقاء الأميركيين في الداخل، والروس في الخارج، وكبح جماح الألمان». وفي سنة 2008 عاد الرئيس الروسي الشاب مدفيدف وافتتح ولايته الرئاسية بتقديم مقترح إلى الغربيين يقضي بوضع ترتيبات جماعية ذاتية لأمن أوروبا، تحظر على أية دولة أوروبية الانخراط في أي تحالف دولي عندما يتضح أنه موجه ضد مصالح دولة أوروبية أخرى. وها هو بوتين الآن يمضي أبعد من ذلك بجعل الأوروبيين يواجهون تحدياً حقيقياً في الأزمة الأوكرانية. وفي الأخير خلصت الكاتبة إلى أن أحد أسباب الاندفاع الروسي في هذه الأزمة هو الانطباع المتولد في الكريملن بأن ثمة ضعفاً محسوساً في مواقف الرئيس أوباما. وهذا هو ما يدفع سيد الكريملن لتبني منطق القوة تجاه الجوار. وفي سياق نقد مواقف بوتين أيضاً تحدث الكاتب «برنار غيتا» في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون عما اعتبره أوهام بوتين، وأوهام الغربيين، سواء بسواء، تجاه الحالة الأوكرانية الراهنة. وفي الأوهام الأولى خاصة، لا شيء كان يبرر أصلاً للرئيس الروسي ليّ ذراع الرئيس الأوكراني المعزول يانوكوفيتش وإرغامه على التراجع عن التوقيع على الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، فقد كان إملاء بوتين لموقفه على حليفه سبباً أسياسياً في إيقاظ روح التمرد والامتعاض في كييف، كما غذى أيضاً المشاعر المناهضة للروس في أوكرانيا التي لم تكن موجودة حتى ذلك الوقت. وبتدخله في شؤون دولة مستقلة يكون بوتين بذلك قد تصرف بطريقة غير ملائمة، ربما لا تحقق أيضاً المصالح التي يريد ترسيخها. نهاية أوروبا بلا حدود تحت هذا العنوان حلل الكاتب بيير روسلين في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو تداعيات الأزمة الأوكرانية الراهنة على مفهوم «أوروبا» وحدودها، وعلاقتها الصعبة مع الدب الروسي، مؤكداً في البداية أن أوروبا ستكتشف أخيراً أن عليها وضع حدود واضحة لنفسها، إن كانت تريد حقاً الاستمرار في الوجود. وقد قيل كلام كثير عن قدرة أوروبا على التمدد والتوسع وترويج قيمها ونموذجها الديمقراطي في الجوار. ومع حالات التوسيع الأولى للاتحاد الأوروبي راج الحديث عن مكاسب تحققت في كل مرة للفكرة الأوروبية. بل قيل إنه إذا كان العالم كله يريد الانضمام إلى المشروع الأوروبي فمعنى هذا أنه نموذج مثالي ومحل إعجاب لدى الآخرين. ولا تمضي القراءة المتفائلة أكثر من هذا في تحليل دوافع الرغبة في الانضمام إلى البيت الأوروبي. والحال أن انضمام أعضاء مثل جمهوريات البلطيق وبولندا وغيرها من دول كانت تسير في الفلك السوفييتي السابق وانضواءها في المشروع الأوروبي، سببه الأول البحث عن مظلة أمنية ورافعة اقتصادية، ونفاذ إلى سوق قوية وواسعة. ومثل هذه الدوافع هي ما نراه الآن في عيون الأوكرانيين الراغبين هم أيضاً في الالتحاق بالركب الأوروبي. ونظراً لاقتناع دول الاتحاد بقوة نموذجها وتفوقه ظلت تستبطن فكرة مؤداها أنه يكفي لضم الدول الواقعة على حدود الفضاء الأوروبي أن يتم إلزامها ببعض التفاصيل الفنية والضوابط في تسيير السياسة والاقتصاد، وأن ذلك سيجعل العضو الجديد قادراً على اكتساب اللغة المشتركة لكي يصبح طرفاً في النادي الأوروبي. وبهذه الكيفية بدا أن عملية التوسيع يمكن أن تمضي هكذا إلى ما لا نهاية. ولم يلتفت أحد إلى حدود الاتحاد إلا حين تقدمت تركيا الأناضولية بطلب العضوية فطرح السؤال عما إن كانت حقاً دولة أوروبية بمنظور الموقع الجغرافي نفسه؟ والحقيقة أن تجارب التاريخ منذ أيام الإسكندر الأكبر وحتى نابليون وأمثلة أخرى أكثر قرباً من ذلك كلها تؤكد، يقول الكاتب، استحالة حكم واستمرار فضاء جغرافي متمدد إلى ما لا نهاية، ودون حدود واضحة ومعروفة. ومع تركيا، وأيضاً أوكرانيا، تطرح مسألة الحدود الأوروبية نفسها بقوة. وفي كلتا الحالتين ارتد عدم الوفاء بالوعود بالشراكة والعضوية بنتائج سلبية، ويقال إن الطريق إلى الجحيم تكون مفروشة أحياناً بالنوايا الحسنة. وإذا كانت المماطلة والتسويف قد دفعا تركيا عملياً لكبح درجة اندفاعها نحو الحلم الأوروبي، فإن أوكرانيا تجد نفسها هي أيضاً اليوم تتجرع خياراً صعباً بين روسيا ذات القوة الساحقة وأوروبا المترددة وغير الحاسمة في مواقفها. ولذلك يُخشى أن تهوي أوكرانيا في حالة فوضى مستديمة. سلاح التجويع ضمن تغطيات صحيفة لوموند الإخبارية المتعلقة بالأزمة السورية استعرضت بعض النتائج التي توصلت إليها لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة حول انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا التي سردتها في تقريرها الأخير الصادر يوم الأربعاء الماضي. وقد توصلت اللجنة إلى أن النظام السوري يستخدم سلاح الحصار والتجويع وقطع المؤن والإمدادات الغذائية عن السكان المدنيين، حيث إن «أكثر من 250 إنسانا يفرض عليهم الحصار في سوريا، ويتعرضون بانتظام للقصف بالمدفعية والطيران، ويحرمون من الدعم الإنساني، والأغذية، والأدوية، ولا يترك لهم سوى الاختيار بين الموت أو الاستسلام»، بحسب نص التقرير الذي أعده ثلاثة قانونيين دوليين برئاسة القانوني البرازيلي باولو سيرجيو بينيرو، بتكليف من الأمم المتحدة مستمر منذ سبتمبر 2011. ويرصد التقرير التعديات الجسيمة على حقوق الإنسان المسجلة في سوريا طيلة الفترة الممتدة من يوليو 2013 وحتى منتصف يناير 2014 متحدثاً بشكل خاص عن العمليات العسكرية التي جرت لحصار أحياء أو مناطق حول العاصمة دمشق، وخاصة في منطقة الغوطة، ومعظمية الشام، ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين حيث يحاصر أكثر من 20 ألف إنسان. ولنشر الرعب وترهيب السكان من غير المحاربين يوقفهم جيش النظام في نقاط التفتيش والمراقبة، ويمارس عليهم العنف والترويع، هذا إضافة إلى حملة القصف بالبراميل المتفجرة وخاصة في منطقة حلب التي تستهدف تدمير مناطق كاملة وترويع المدنيين العزل، كما يؤكد التقرير، الذي انتقد أيضاً سلبية وعدم رد المجتمع الدولي على هذه المحنة الإنسانية والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان. إعداد: حسن ولد المختار