سبق أن أشرت إلى الصمود التاريخي لمنظومة التعاون الخليجي، وبعض التصريحات السياسية المعتادة دائماً ما تقلل من حدة الخلافات الخليجية وتتعامل مع الأزمات باعتبارها طارئة ومن الممكن احتواؤها. والأهم أن هذه المدرسة ما زالت تؤمن بفكر عدم التعقيد في تعاملها مع قضايا حيوية تهم أمن المنطقة. وكنا دائماً نقول إن منظومة التعاون الخليجي جاءت وفق أجندة أمنية خاصة أملتها طبيعة المرحلة، إلا أن المتغيرات الإقليمية شائكة ومستجدة مما يتطلب تطوراً في الأساليب الدبلوماسية في كيفية التعامل معها. وثمة حقيقة واقعية وليست خيالية هي أن دول الخليج العربي تمتاز بخصوصية تستمد من طبيعة التعاضد الشعبي والنظم السياسية، فهي صمام الأمان، وأي مطالب تجديدية تقع ضمن هذه المعادلة التاريخية. وموضوع الأمن الإقليمي لدول الخليج العربية ينبغي أن ينظر إليه من خلال تبنٍّ شعبي للاتفاقية الأمنية، وأنه لا أمن إذا غاب الشعب، وفي الحالة الخليجية لدينا العلاقة المتميزة بين النظم السياسية وشعوبها، إلا أن هناك من أنصار المدرسة القديمة من قد يقدم لنا نماذج غير واقعية تغيب فيها الشعوب وتحاول أن تقيم جدراناً لا حقيقة لها بين شعوب المنطقة وأنظمتها السياسية. ونحن نؤمن بأن هناك ممن هم داخل أنظمة الحكم من يعون هذه الحقيقة، ويحرصون على تقديمها لأجل تجنيب المنطقة أي ثغرة قد تخل بأمنها. ومن الحقيقة أيضاً أن إيران دولة مهمة، ولا أحد يحاول أن يخفي هذه الحقيقة، ولكن في المقابل هي دولة لها طموحاتها وهي حقيقة أخرى ينبغي أن تناقش بكل شفافية من منطلق الحفاظ على أمن المنطقة. وإيران دخلت كلاعب في قضايا الشرق الأوسط وتحولت إلى رقم صعب يتعين التعامل معه، وهي اليوم تساند بقوة سوريا النظام ولا تريد للتغيير أن يأخذ مجراه الطبيعي، ودول الخليج العربي أصبحت معنية في الصراع السوري كنتيجة طبيعية لتورط إيران. وهناك خلافات بعضها معلن بين دول مجلس التعاون وبعضها غير معلن، إلا أن صيغة الاتحاد أو تطوير صيغ أكثر مواءمة في هذه المرحلة حقيقة ينبغي مواجهتها أيضاً، وعلى الدول الأعضاء إشراك قطاعات مدنية لحشد التأييد لأي صيغة تعاونية توفر الاستقرار للإقليم الخليجي، وخصوصاً بعد سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الشقيقة قطر نتيجة لاختلافات جوهرية، وهذا ما يبدو أنه قد يتسبب في تجاذبات قادمة قد تضعف مجلس التعاون. وإذا لم تطوّق أزمة الخلافات الخليجية من المؤكد أن الأمور قد تجري ضمن مجرى يضر بمستقبل الأمن الخليجي المشترك. كما أن التوتر في البحرين يشكل أحد أهم الهموم الخليجية، وبكل تأكيد الحل الأمني لا يكفي وحده، وقد لا يجعلنا نتجنب أية منزلقات خطيرة وخصوصاً أن إيران بشكل أو بآخر لها دورها المؤجج في المشهد البحريني. والوضع الخليجي في عمومه يحتوي على أكثر من عامل قد يهدد الاستقرار، ومن ضمنها بالطبع الرسائل الصريحة للمالكي في العراق ضد إحدى دول المنطقة، والتي نعتبرها امتداداً لتأجيج القضية الطائفية. والراهن أن دول الخليج العربي عليها أن تعيد تقييم سياساتها مع المتغيرات الإقليمية والعالمية، وأن تعمل ضمن معادلة التوازن الدولي وخصوصاً بعد عودة ملامح الحرب الباردة. وروسيا الاتحادية والصين تربطهما مصالح اقتصادية واسعة مع دولنا، وعلينا ضمان هذه المصالح على قاعدة مصالحنا المشتركة، فالمنطقة لا تحتمل المزيد من التوتر ولنحاول أن نقترب من الواقعية السياسية.