وصف البيولوجي الأسترالي ميشيل آرشر (68 عاماً) استنساخ الضفادع المنقرضة من نوع «أجنة المعدة»، بعد انقراضها بثلاثين عاماً، بأنه أشبه بالمعجزة؛ فهذه هي الضربة الأولى التي يتحقق فيها فيلم «جوراسيك بارك»، ليس في استوديوهات هوليوود خيالا، بل في مخابر العلماء. حصل الاستنساخ هذه المرة ليس في عالم الديناصورات التي تزأر وتكشر عن أنياب وأظلاف طويلة، بل في عالم الضفادع التي تنقنق. إن انقراض الكائنات واللغات يحدث على مدار الساعة، وهو ما دعا العلماء إلى تشكيل ثلاث اتجاهات في الطبيعة والتاريخ والثقافة. الأول ما قام به الأميركي «أوسبورن» حيث دعا إلى تشكيل موقع على الإنترنت لأزيد من مئة ألف صفحة، يصنف كل كائنات الوجود قبل أن تنقرض، فلا يعثر لها على أثر. أما الاتجاه الثاني فيمثله «كريك فينتر» الذي نجح في فك الكود الوراثي للإنسان عام 2000 مفتتحاً الملينيوم الثالث، ومستبقاً مشروع الجينوم البشري الذي اشتغلت عليه الدول المتقدمة، بكلفة ثلاثة مليارات دولار، بما يعادل دولاراً لكل حمض نووي في نواة الخلية. لقد سبقهم «فينتر» بمشروع كلفته 300 مليون دولار فقط، أي عشر معشار المبلغ الدولي. ويطمح فينتر إلى فك واختزال وحفظ كل الجينومات لكل الكائنات. كما استطاع الكوبي «سفينتي بيبو» شق الطريق إلى علم جديد هو الباليوجينتيك، بمزج علم الجينات مع علم البالينتولوجيا. وكانت بدايته بوخزة إبرة في جلد مومياء فرعونية في متحف لندن. هذا، وتمثل الاتجاه الثالث في حفظ الثقافة بمشروع «روزيتا» (حجر رشيد) لحفظ لغات العالم، وهي 6200 لغة يتهاوى بعضها مع دورة الليل والنهار. وخلال الأيام القادمة ستبدأ الحركة في مفاصل مسبار مشروع «روزيتا» الفضائي، بعد أن نام سنتين ونصف السنة في رحلته نحو زحل، على أن يحط بمركبة «الفيليه»، في نوفمبر القادم، على ظهر مذنب كبريتي اسمه «تشرجوموف جيراسي منكو»، يبعد حوالي مليون كم عن الأرض. وهناك مشاريع موازية لحفظ التراث الإنساني على شكل ميكروفيلم في جبال فرايبورج بألمانيا، داخل براميل مضادة للصدأ وفي أنفاق بطول كيلومترات تنفع في استعادة التراث الإنساني وحفظه من الكوارث التي قد تتعرض لها الأرض، كما توجد مشاريع لحفظ التراث الإنساني على شكل ديجيتال، وإيداعها على سطح القمر، لأن حماقات الجنس البشري لا نهاية لها، والإنتاج المعرفي مهدد في كل حين، فنحن نعلم ما هو أخطر من السلاح النووي، ذلك أن خمسة عشر طناً من السلاح البيولوجي كافية لإنهاء الحياة الإنسانية كلها من على الأرض. ويبدو أن سويسرا جادة في هذا الموضوع، وبقدر إيداع الأموال في بنوكها العامرة، فقد بنت مشافي في صدوع الجبال الراسيات تصان كل عام استعداداً لحرب نووية، كما حفرت روسيا والصين مدناً كاملة للغرض ذاته. ويبدو أن الجنس البشري مقبل على كارثة كونية تفطن لها علماء الجيوفيزياء، فتحدثوا عن انقلاب مغناطيسية الأرض، بسبب انقلاب اتجاه دوران صهارة النيكل- الحديد في باطن الأرض (على عمق 3200 كم من قشرة الأرض) كل ثمانين ألف سنة، فيتحول الشمال المغناطيسي إلى جنوب، ومعه ينقلب المناخ العالمي. إن التراث الإنساني، الورقي في معظمه، عرضة للتآكل خلال قرنين، لذا فقد شمر العلماء عن سواعدهم وسلطوا أجهزة الروبوت على تصوير كل ما أنتجه الجنس البشري من معرفة، في سباق بين اهتراء الورق وتصوير الكاميرات.