بوتين يلعب بالنار في أوكرانيا ... وسياسة أوباما الخارجية «تفكير رغبوي» هل يكبّل التفكير الرغبوي سياسة أوباما الخارجية؟ وكيف يمكن الضغط على بوتين ومنعه من التوغل أكثر داخل أوكرانيا؟ وماذا عن انتخابات الرئاسة الأفغانية المزمع إجراؤها في الخامس من أبريل المقبل؟ وإلى أي مدى تستفيد «طالبان» من الانسحاب الأميركي من أفغانستان؟ تساؤلات نضعها تحت الضوء ضمن إطلالة سريعة على الصحافة الأميركية. مخاطر التفكير الرغبوي تحت عنوان «مخاطر التفكير الرغبوي»، نشرت «واشنطن بوست» أول من أمس افتتاحية رأت خلالها أن طوال السنوات الخمس الماضية يوجه أوباما سياسته الخارجية انطلاقاً من عالم يأمل هو في إيجاده أكثر من استناده إلى الواقع. أوباما، يتصرف وفق عالم «تراخت فيه قبضة القوة والحروب»، عالم تستطيع فيه الولايات المتحدة من دون مغامرة كبيرة تخفيض عدد قواتها المسلحة، وضمن هذه الرؤية فإن عمليات الغزو واستخدام القوة ولعبة القوى الكبرى وتبديل التحالفات أمور باتت من الماضي، وعلى هذا النحو وصف وزير الخارجية الأميركي الغزو الروسي لأوكرانيا بأنه سلوك ينتمي للقرن التاسع عشر يتم تطبيقه في القرن الحادي والعشرين. الصحيفة تتفهم رؤية أوباما القائمة على أن مكانة الدول لم تعد تقاس بخوض المعارك، فالعالم بات مترابطاً للغاية لدرجة يصعب تصنيفه إلى كُتل، وبمقدور دولة صغيرة كسنغافورة وإستونيا الولوج إلى الفضاء الإلكتروني وتحقيق الرخاء لشعبها بدرجة تتفوق بها على دول كبيرة ولديها موارد ضخمة وجيوش جرارة. الصحيفة تقول إن الرئيس الروسي لم يتسلم بعد مدونة سلوك القرن الحادي والعشرين، والأمر نفسه بالنسبة للصين التي تستخدم دبلوماسية السفن الحربية ضد اليابان والدول الضعيفة في جنوب شرق آسيا، والرئيس السوري يشن حرباً تنتمي إلى القرن العشرين ضد شعبه ويرسل المروحيات لإسقاط البراميل المتفجرة على رؤوس الناس في بناياتهم، هؤلاء الساسة مهتمون فقط بالبقاء في السلطة. صحيح أن أوباما ليس مسؤولاً عن سوء سلوك هؤلاء الساسة، لكن بمقدوره لعب دور قيادي فيما يفكرون جيداً ويحسبون المكاسب والخسائر قبل إقدامهم على خطوات تصعيدية. البيت الأبيض غالباً ما يتهم منتقدي أوباما بأنهم من محبي الحروب الراغبين في نشر الجنود الأميركيين ولم يستوعبوا بعد تجربة حرب العراق. كون الصحيفة تتبنى موقفاً مفاده أنها لا تريد إرسال قوات إلى سوريا أو إلى «كريما»، فالقوى العظمى تستطيع التمدد لكن إذا كان اقتصادها يعاني فإن قدرتها على القيادة تتأثر. وإذا كان بوتين يتساءل ما إذا كان سيتحرك صوب شرق أوكرانيا، فأنه يقيس مدى جدية الولايات المتحدة وحلفائها، ويترقب أفعالهم وليس تصريحاتهم، والأمر كذلك بالنسبة لتصرفات الصين في بحر شرق الصين، للأسف هذا واقع العالم الذي نعيش فيه. بوتين يلعب بالنار يوم الأحد الماضي، وتحت عنوان «بوتين يلعب بالنار في أوكرانيا»، نشرت «لوس أنجلوس تايمز» افتتاحية، استنتجت خلالها أنه في مواجهة العدوان الروسي، يتعين على الولايات المتحدة والدول الأخرى الاستعداد لفرض عقوبات على موسكو. الصحيفة ترى أن وزير الخارجية الأميركي على حق عندما قال إن نشر القوات الروسية في منطقة «كريما» تصرف عدواني غير معقول، ويعد خرقاً لوعود أطلقتها روسيا قبل عقدين تتضمن احترام التكامل الإقليمي في أوكرانيا. الصحيفة ترى أن خوف موسكو من تعرض الأوكرانيين الناطقين باللغة الروسية إلى التمييز، أو أن يتكرر استهداف الأقليات الروسية مثلما حدث في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق عشية استقلالها، أو حماية القاعدة البحرية الروسية في منطقة «كريما» لايبرر العدوان الروسي على أوكرانيا. الصحيفة ترى أن التذرع بحماية الأقليات والضعفاء ذريعة تعود لزمن هتلر وما قبله، وأبدت استغرابها من سلوك بوتين الذي كتب مقالاً في «نيويورك تايمز» قبل شهور يعارض فيه التهديد الأميركي بتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا، واستند في مقاله للقانون الدولي، وأهمية صدور قرار من مجلس الأمن عند التعامل مع الأزمة السورية، لكن الآن موقفه في أوكرانيا يتناقض مع ما ورد في مقاله. لا أحد يقترح تدخلاً عسكرياً أميركياًَ في أوكرانيا، لكن وزير الخارجية الأميركي طرح قائمة من العقوبات الاقتصادية كحظر تأشيرات الدخول وتجميد الأصول المالية، وفرض عزلة تجارية واستثمارية، ومقاطعة قمة الدول الصناعية المقرر عقدها في يونيو المقبل بمدينة سوتشي الروسية التي استضافت الأولمبياد الشتوي، والتي يرغب بوتين في جعلها رمزاً للانجاز الروسي. الرئيس الأميركي تعرض لموجة نقد من «الجمهوريين»، فالسيناتور «الجمهوري» ليندسي جراهام قال إن أميركا باتت ضعيفة ورئيسها غير حاسم بدرجة تشجع الآخرين على العدوان. وخلال الشهر الماضي رفض أوباما وصف ما يجري في أوكرانيا بأنه جزء من الحرب الباردة، أو يندرج ضمن التنافس على رقعة شطرنج مع روسيا. وفي عدد «لوس أنجلوس تايمز» ليوم أمس، وتحت عنوان « ماذا وراء التحرك الروسي في أوكرانيا؟: الخوف من حلف شمال الأطلسي»، استنتج «إداور ووكر أن موسكو تخشى من اتساع نطاق الوجود العسكري الغربي في أوروبا الشرقية. اتركوا أفغانستان للأفغان يوم الجمعة الماضي. وتحت عنوان «حان الوقت كي نترك أفغانستان للأفغان»، نشرت «بيتسبيرج بوست جازيت» افتتاحية أشارت خلالها إلى أن الحملات الانتخابية الرئاسية في أفغانستان والتوسل الفاشل الذي يدعو من خلاله أوباما الأفغان إلى السماح لقواته بالبقاء هناك بعد الموعد المحدد لانسحابهم نهاية العام الجاري، كل ذلك يعزز موقف الأميركيين الراغبين في إنهاء حرب استمرت 13 عاماً. الانتخابات الرئاسية الأفغانية المقرر عقدها في الخامس من أبريل المقبل، يخوض غمارها 11 مرشحاً، وتصفهم الصحيفة بـ«غير المميزين»، ومن بينهم أخ الرئيس كرزاي، ولا يوجد بينهم من تأمل الولايات المتحدة في تحقيقه تحسناً في العلاقات مقارنة بكرزاي. لكن ربما يكون لدى الأفغان رأي آخر. المرشحون يوجد بينهم أمراء حرب سابقون، ومجموعة من صفوة المجتمع الأفغاني، وتقول الصحيفة إن على الولايات المتحدة أن تكون أكثر واقعية تجاه أفق التغيير على الساحة الأفغانية استناداً إلى البعد التاريخي، لكنها لم تفعل. أكثر من نصف بطاقات الترشح (رئيس ونائب رئيس) تتضمن أمراء حرب. واشنطن وعدت بعدم التدخل في الانتخابات، وتزعم أنه لا تدعم مرشحاً بعينه، وفي الوقت نفسه، موّلت الخارجية الأميركية استطلاعاً للرأي أجرى في ديسمبر الماضي يظهر أن أشرف غاني المسؤول السابق في البنك الدولي هو الأوفر حظاً، ويدخل معه السباق في منصب نائب الرئيس الجنرال عبدالرشيد دستم وهو أحد أمراء الحرب السابقين. جميع المرشحين جاهروا بتأييدهم وجود بعض القوات الأميركية بعد الموعد المبرمج للانسحاب، هم يعلمون بلاشك أن الوجود الأميركي مورد مالي ضح للأفغان 700 مليار دولار ووفر للحوكمة الأفغانية مرتبات موظفيها. وحسب الصحيفة أجرى أوباما اتصالاً هاتفياً مع كرزاي كي يوقع الأخير اتفاقية تضمن بقاء 10 آلاف جندي أميركي في أفغانستان من أجل تدريب القوات الأفغانية على عدم جعل البلاد مرة أخرى ملاذاً للإرهابيين. واستنتجت الصحيفة أنه لا يزال الأميركيون ومعهم عناصر من حلف «الناتو» يدربون القوات الأفغانية، وهذا سيستمر خلال السنوات المقبلة، لكن التقنيات العسكرية المتطورة كأجهزة الرقابة والأسلحة التي يتم تشغيلها من دون العنصر البشري بمقدورها أن تحول دون قيام «طالبان» بهجوم جديد على الأراضي الأميركية. أي أن القوات البرية الضخمة لم تعد ضرورية، ومن ثم لا داعي للإبقاء على القوات الأميركية بعد عام 2014. تنبؤات استخباراتية وفي الموضوع ذاته، وتحت عنوان «الإحباط في أفغانستان»، نشرت «نيويورك تايمز» أول أمس افتتاحية، أشارت خلالها إلى أن الاستخبارات الأميركية تنبأت بأنه من دون وجود عسكري أميركي متواصل، فإن القوات الأفغانية الناشئة قد تنهار، وفي هذه الحالة سرعان ما يعاود المتمردون السيطرة على مناطق في شرق وجنوب أفغانستان. صحيح أن الأفغان لديهم قدرات قتالية، لكنهم بحاجة إلى معدات كالمروحيات وأيضاً المساعدات الدولية. واستنتجت دراسة مولتها الحكومة الأميركية، أنه من المحتمل أن تزداد قوة «طالبان» بعد 2014 ما يشكل تهديداً للحكومة الأفغانية خلال الفترة من 2015 إلى 2018، لكن هذه الفترة قد تتقلص في حال بقاء قوات «الناتو» فترة أطول. إعداد: طه حسيب