ما كنا نتوقع سقوط الاتحاد السوفييتي وجدار برلين وأحداث سبتمبر والدخول بمواجهة مع «القاعدة» وغيرها من منظمات إرهابية. وما كان يخطر على البال رحيل زين العابدين ومبارك وإنْ كنا نؤمن بحركة التاريخ الذي لا نرى أنفسنا من خلاله ويعجز بعض الساسة في فهم دينامكية التاريخ، وكما يقولون حضارات سادت ثم بادت. منطقة الخليج العربي محطة للصراع العالمي، وبالرغم من حدة الصراع إلا أن دولنا الخليجية مازالت سياساتها تتسم بعدم الجرأة وتغيب المبادرة فيها، مما قد يعرض المنطقة إلى ما هو غير متوقع، كما حدث في غزو صدام للكويت وفتحت شهية البعض لفكرة الاستيلاء في ظل فوضى عالمية. اليوم تعيش سوريا حالة اضطراب كبيرة ودول الخليج أصبحت معنية بالحدث السوري وإن تفاوتت سياساتها، إلا أنها جزء مما يحدث لطبيعة المتغير الإيراني الذي دخل على الخط وتلوث الصراع بصبغة مذهبية مدمرة. المتابع للوضع العربي يلاحظ أن ظاهرة التطرف في تصاعد وليس «للقاعدة» الدور المحرك، فالسلوك المتطرف يجد له قبولاً بين شرائح الشباب ومناهضة السلطة تلقى الآذان الصاغية لكون السلطة حصرت تفكيرها في ما يخصها دون مراعاة لقواعدها الشعبية مما نعتبره حالة متوقعة إذا ما غابت الحكمة في معالجة الواقع. ولعلنا نتذكر أن حرب الخليج الأخيرة وقعت لتثبيت أوضاع قائمة بينما الحرب المقبلة، فهي ستشن لتدمير ما هو قائم، وهي حقيقة قد تغيب عن الذهن، إلا أن المتتبع لحركة التحالفات العالمية يشم رائحة قلب موازين القوة التقليدية. يبدو أن سياسة الاحتواء هي الغالبة في التعامل مع المتغيرات السياسية، إلا أن المعادلة تتغير ولا نعتقد بقوة المال النفطي في احتوائه للمتغيرات الجديدة، وربما نضيف إلى ذلك سياسة المشكلات تحل نفسها مع الوقت، فهي بكل تأكيد ليست بسياسة حكيمة تمكننا من مواجهة ما هو غير متوقع. دول الخليج العربي تتفاوت في موقفها من الاتحاد الذي طرحته السعودية، ويبدو لهذا الخوف ما يبرره، فالسعودية دولة كبيرة وعليها تفهم طبيعة المطالب الخليجية. السعودية دولة محورية إلا أنها في حاجة إلى إعادة تقييم طبيعة الهواجس وتفهم مخاوف بعض الدول الشقيقة. صيغة الاتحاد قد تكون الطموح الأمثل لكل دول الخليج العربي، إلا أن خطوات عملية على أرض الواقع يفترض أنها تسبق هذه الصيغة، مازالت غير مدرجة، أو لا تحتل الأهمية المطلوبة، فالسياسات العامة أحياناً غير منسجمة، وحتى صيغ التملك أو الاستثمار مازالت غير واضحة المعالم، إضافة إلى أن الدول الخليجية، وإنْ كانت تشترك في الكثير، إلا أن السياسات الملاصقة لهموم الناس مازالت قاصرة. ولو أخذنا على سبيل المثال سياسة التوظيف بين دول الخليج، فهي قاصرة ولا تتماشى مع طموح الاتحاد. نحن ندرك أن طبيعة مجلس التعاون جاءت في ظروف أمنية حتمتها المرحلة إلا أنها يجب أن تتحلى بالمرونة وخصوصاً بعد نقد الاتفاقية الأمنية، التي ربما بحاجة إلى إعادة تقييم من منظور يستند إلى طبيعة المفهوم الأمني، ومدى ارتباط شعوب المنطقة بنظمها السياسية. فالأمن المنشود هو الذي يحقق مزيداً من التلاحم بين الشعوب والنظم السياسية. هي مرحلة معقدة التي تمر بها المنطقة، وتحتاج إلى قرارات جريئة تخرج عن المألوف، ويجب ألا نغفل الهواجس الداخلية لكي نصل إلى ما نصبو إليه.