تحديات مزمنة في البيت الأوروبي.. ونهايات مفتوحة للصراع الأوكراني التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، والتداعيات الصعبة للأزمة الأوكرانية، والقرار الدولي الساعي لتوفير ممرات آمنة في سوريا، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. أوروبا: نقض البناء في صحيفة لوفيجارو نشر الكاتب بيير روسلين مقالاً تحدث فيه عما سماه نقض بناء الاتحاد الأوروبي، وذهب فيه إلى أن الوضع يبدو سوداوياً الآن على بعد ثلاثة أشهر فحسب من موعد انتخابات البرلمان الأوروبي، حيث تبدو الفكرة الأوروبية نفسها في حالة تراجع شديد، وإن كان مسار التراجع هذا لم يبدأ أيضاً أمس ولا في أي موعد ماض آخر قريب. فقد بدأ مسار الانحدار في المشروع الأوروبي منذ الاستفتاء الذي أجهض الدستور في سنة 2005. وقد اقتنع كثير من المراقبين حينها وهم يشاهدون الاتحاد يسجل إخفاقاً بهذا الحجم، بأن ذلك المأزق سيكون بداية نهاية للجموح والطموح الوحدوي الأوروبي. وقد تحولت معارضة مسارات العمل الأوروبي وضخ الرياح غير المساعدة في كل أشرعته إلى ورقة رهان لدى بعض القوى اليمينية المتطرفة كلما أرادت صناعة مستقبل سياسي من العدم. ويبدو أن حالة السقوط الحر مستمرة، بل إنها تتسارع بوتيرة قد تفاجئ كثيرين، بشكل أكثر مما كان متوقعاً. وإذا كان المسؤولون الأوروبيون يتبنون سياسة النعامة في التعامل مع مآزق الاتحاد فإن المواطنين الأوروبيين العاديين تبدو صورة الموقف أمام عيونهم واضحة تماماً، ومتجردة من أي غموض. وبالنسبة لهؤلاء المواطنين لم تكن حالة الإحباط وانعدام الثقة تجاه المؤسسات الأوروبية بدرجة من التراجع والانخفاض كالتي وصلت إليها الآن. ففي فرنسا مثلاً أظهر آخر استطلاعات الرأي انخفاضاً غير مسبوق في شعبية المؤسسات الأوروبية، وهذا هو حال موقف شعوب بقية الدول الأوروبية الأخرى. ومع هذا لا أحد ينكر أيضاً أن أوروبا قد تجاوزت الآن مرحلة الأسوأ في الأزمة النقدية، يقول الكاتب. ولاشك أن هذا كان فيه تكذيب لمن توقعوا تفككاً عملياً للاتحاد لأوروبي. ولكن شيئاً لم يحسم بعد بشكل قاطع. فما زال هناك خبراء يحظون بتقدير كبير، ويمكن أن يتهموا بأى شيء سوى التطرف والمبالغة، يطالبون بمغادرة منظمة للعملة الأوروبية «اليورو» من أجل تفادي وقوع ما هو أسوأ اقتصادياً وهيكلياً. وقد تلقى المشروع الأوروبي صفعة قوية في الاقتراع السويسري في 9 فبراير الجاري، الذي يقيد دخول بعض مواطني الاتحاد، إذ لم يعد الموضوع المطروح على المحك هو تعزيز أشكال الاندماج والتكامل، وإنما تعرض للتهديد مبدأ أساسي من المبادئ الموجهة للمشروع الأوروبي، وهو حرية تنقل الأفراد بين دول القارة. وحرية حركة الأفراد تعني أيضاً من الناحية العملية حرية تنقل الأموال والخدمات ورأس المال، وبدونها يكون المشروع الأوروبي، بأية طريقة أخرى قدِّم، مجرد وعاء سياسي أجوف وبلا مضمون. ذلك أن الأمر لا يتعلق أبداً في هذه الحالة بمسألة حماية الذات من تحركات سكانية بقدرما يتعلق بحرمان مواطنين أوروبيين آخرين من حق الدخول إلى بلد أوروبي. صحيح أن سويسرا ليست عضواً في الاتحاد. بل إنها رفضت أن تكون كذلك، وآثرت كحق سيادي أن تبقى قائمة بذاتها في مواجهة جيرانها. ولكن الموقف الأخير يمثل أيضاً جرس إنذار بالنسبة للأوروبيين. لأن استفتاء مثل هذا لو طرح في البلدان الأخرى يتوقع بقوة أن يتكشّف عن نتائج مماثلة. ولا يكفي في مواجهة تحدي الانعزالية مجرد اتهام التيارات الشعبوية وتحميلها المسؤولية عن تأجيج مخاوف الشعوب تجاه الانفتاح وترك الحدود حرة لتنقل الأشخاص بين الدول الأوروبية. بل لعل ذلك يخدم التيارات الشعبوية، ويعطيها دعاية لا تستحقها، لأن من البديهي أن تكسير جهاز قياس الحرارة لا يكفي وحده لخفض حدة الحمّى عن المريض. والأخطر من هذا أن أعراض الحمى الأوروبية لم تظهر فقط في سويسرا وحدها، بل إن معركة «اليورو» المريرة خلقت مزاجاً عاماً غير مواتٍ لدى الرأي العام فيما غاب ظهور أية فكرة أو مبادرة جديدة من شأنها دعم أو تغذية المشاعر الإيجابية تجاه المشروع الأوروبي. ومن المعروف أن السياسة كالطبيعة تكره الفراغ، وهذا الجمود وعدم المبادرة هما ما تعاني منه أوروبا الآن. روسيا ضد «ميدان» تحت هذا العنوان تحدثت صحيفة لوموند عن الصراع السياسي الراهن الذي تشهده شوارع العاصمة الأوكرانية كييف، مشيرة إلى أن «الدعاية الروسية وأصدقاء الكرملين في أوكرانيا يكررون باستمرار أن المتظاهرين في ساحة ميدان بكييف يجسدون عودة القومية- الاشتراكية (النازية) في أوروبا. ففي ميونيخ اتهم وزير الخارجية الروسي ألمانيا بدعم معجبين بهتلر، فيما لا تفتأ وسائل الإعلام الروسية تكرر ليل نهار أن المتظاهرين الأوكرانيين، هم في حقيقتهم نازيون»! وبطبيعة الحال تقول الصحيفة لا أحد ينكر وجود اليمين المتطرف في السياسة والتاريخ الأوكرانيين. وهذا الوجود مثير للقلق اليوم، وإن كان أقل قيمة وحجماً بكثير مقارنة مع حجم حضور اليمين المتطرف في فرنسا أو النمسا أو هولندا مثلاً. وإن كان هنالك شيء غريب بعض الشيء في قراءة موسكو لما يجري في شوارع كييف فهو الإيديولوجية السياسية لمن يدافعون عنها. فثمة انطباع بأن الاتحاد اليوراسي الذي تريده موسكو هو عدو الاتحاد الأوروبي، ليس فقط من الناحية الاستراتيجية، وإنما أيضاً من الناحية الأيديولوجية. ومن المعروف أن الاتحاد الأوروبي إنما أقيم أصلاً استفادة دروس التاريخ: حروب القرن العشرين التي اندلعت أصلاً بسبب دعاوى سياسية غير صحيحة وخطيرة، كالنازية والستالينية. وتقتضي الاستفادة من أخطاء التاريخ عدم المجازفة بتكرارها لأي سبب كان. وفي سياق متصل بالأزمة الأوكرانية أيضاً عنون الكاتب «إيف تريّار» عموده في صحيفة لوفيجارو بعبارة دالة: «أوكرانيا: لا الشرق ولا الغرب»، متسائلاً عما إن كانت أوروبا ستشهد الآن حرباً جديدة بعد مرر عشرين سنة على حرب البلقان؟ وهو سؤال يطرحه الدم المسفوك الآن في أوكرانيا، وهي بلاد منقسمة بين من يتحدثون بالروسية، الذين يتجهون بولائهم ووجدانهم نحو موسكو، ومن يتجهون بعيونهم نحو الغرب. وهي دولة كانت تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي السابق، ويمسك مقاليد الأمور فيها رئيس يريد المحافظة على ماء وجهه أمام الكرملين. ومع أن الأمور لم تصل بعد إلى حد يسمح بالحديث عن حرب أهلية، إلا أن المأمول هو أن تكون الدماء التي أريقت خلال الأيام الماضية في ميدان الاستقلال في العاصمة كييف، كافية في وحدها لإيقاظ روح الحكمة والرغبة في تغليب الحوار، دون تأخير. والراهن أن الرئيس فيكتور يانوكوفيتش يجد نفسه الآن أمام مأزق وانسداد في الأفق. وفي هذه الأثناء يتحدث بوتين عن محاولة انقلاب مدعومة من قبل الغرب، وإن كان هو أيضاً لا يرغب في المضي بعيداً في التصعيد، بحكم رغبته في جعل ألعاب سوتشي تمضي في سلام، وتقدم صورة إيجابية عن قوة روسيا وعودتها المؤثرة. وكذلك لا يستطيع الأوروبيون الحفاظ لفترة طويلة على الحياد، وهم الذين يواجهون دفقاً لانهائياً من الاتهامات بالعجز. ولكن أية مبادرة أيضاً تتخذ تحت ضغوط الرأي العام لدعم الشعب الأوكراني ستؤول بطريقة غير ملائمة. ويبدو تقديم تحفيز قد يصل إلى حد عرض العضوية على أوكرانيا خياراً معقولاً، وإن كان ذلك مستبعداً أيضاً بقوة ونحن على بعد أشهر قليلة من الانتخابات الأوروبية. ممرات إنسانية تحدثت صحيفة لوموند عن أطوار التجاذب الدولي حول القرار المتعلق بتوفير ممرات آمنة في سوريا لدواعٍ إنسانية، وينص على مطالبة جميع أطراف الصراع برفع الحصار عن المناطق المأهولة بالسكان، وينص بالاسم على حمص ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، والغوطة في المناطق الريفية القريبة من العاصمة دمشق. وينص أيضاً على الوقف الفوري لكل أنواع استهداف المدنيين، وخاصة من خلال استخدام البراميل المتفجرة. كما يطالب النظام السوري بالسماح دون تأخير للمنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة بالدخول إلى الأراضي السورية، وتمكينها من تقديم الغوث والمساعدة للمتضررين بما في ذلك على خطوط الجبهة والنفاذ من الحدود الدولية. ومن المعروف أن النظام السوري كان يمانع منذ فترة في السماح للمنظمات الإنسانية بالدخول وتمرير المساعدات من المنافذ الخارجية مع العراق وتركيا وغيرهما من دول الجوار السوري. إعداد: حسن ولد المختار