من حين لآخر، تقحم سياسة التعليم نفسها في الأجندة العامة للرئيس الأميركي أوباما، كما حدث خلال خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه الشهر الماضي. وفي الآونة الأخيرة، جذبت قضيتان انتباهه: التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، ودخول الكلية. لكن بينما تعتبر هذه الدعامات الدراسية مهمة، فإنه توجد مساحة واسعة للغاية لتحسين العملية التعليمية فيما بين هاتين المرحلتين. والمدارس الثانوية في الولايات المتحدة على وجه الخصوص تعتبر كارثة. وفي التقييمات الدولية، يسجل طلاب المدارس الابتدائية معدلات تقترب من القمة، أما طلاب المدارس المتوسطة (الإعدادية) فهم عادة ما يحتلون مراكز تفوق المعدلات المتوسطة. لكن بالنسبة لطلاب المدارس الثانوية، فهم يسجلون مراكز أدنى من المعدلات الدولية، وهم يبلون بلاءً سيئاً، لاسيما في الرياضيات والعلوم مقارنة بالمعدلات المسجلة في كبار المنافسين الاقتصاديين لبلادنا. ما الذي يعيق طلابنا في سن المراهقة؟ هناك لمحة تستند على دراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2013، تقارن فيها بين الطلاب في عمر الخامسة عشرة على مستوى العالم من خلال مقياسين للمشاركة الطلابية: المشاركة و«الانتماء». ويعتمد مقياس المشاركة على عدد مرات حضور الطالب إلى المدرسة، ومدى انضباطه وحضوره للمحاضرات الدراسية. أما مقياس الانتماء فيستند إلى مدى شعور الطلاب بأنفسهم كطلاب، وهل يحظون بقبول لدى زملائهم، وهل لديهم زملاء في المدرسة. قد نفكر في المقياس الأول باعتباره مؤشراً للمشاركة الأكاديمية، أما الثاني فهو مؤشر للمشاركة الاجتماعية. وبالنسبة لمقياس المشاركة الأكاديمية، فقد سجلت الولايات المتحدة معدلا في المتوسط العالمي فقط، بينما كانت أقل بكثير من كبار المنافسين الاقتصاديين، مثل الصين وكوريا واليابان وألمانيا. ففي هذه الدول، يذهب الطلاب إلى مدارسهم ويحضرون فصولهم بصورة موثوق بها أكثر من أي مكان آخر في العالم. لكن بالنسبة لمقياس المشاركة الاجتماعية، فقد تفوقت الولايات المتحدة على الصين وكوريا واليابان. وفي الولايات المتحدة، تهدف المدارس الثانوية إلى الاندماج في المجتمع. فهي مكان مناسب للتجمع، حيث لا يعيق الأنشطة الهامة حقاً سوى تلك المحاضرات المزعجة. وفيما عدا طلاب المراكز المتقدمة -الذين يلتحقون بالكليات والجامعات المتميزة- تعتبر المدارس الثانوية بالنسبة للطلاب أمراً مملا وغير مقبول. وقد خلصت الدراسات التي تتبعت أمزجة المراهقين الأميركيين على مدار اليوم إلى أن مستويات الشعور بالملل تبلغ ذروتها خلال فترة وجودهم بالمدرسة. وقد يميل أحد الأشخاص لحذف هذه النتائج باعتبارها مجرد تأكيد للحقيقة المعروفة تماماً، وهي أن المراهقين يجدون كل الأمور مملة. والواقع أن نسبة كبيرة من طلاب المدارس الثانوية على مستوى العالم يجدون أن المدرسة مملة. غير أن المدارس الثانوية الأميركية تعتبر أكثر مللا من مثيلاتها في الدول الأخرى، وفقاً لدراسة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتؤكد هذه الحقيقة استطلاعات الرأي التي أجريت مع طلاب أجانب يدرسون بالولايات المتحدة، في إطار برامج التبادل الطلابي، والمراهقين الأميركيين الذين درسوا في الخارج. فقد أكد أكثر من نصف طلاب المدارس الثانوية الأميركية الذين درسوا في دول أخرى أن مدارسنا أسهل. وبصورة موضوعية، قد يكون هؤلاء محقون: فطلاب المدارس الثانوية بالولايات المتحدة يقضون وقتاً أقل في إنجاز واجباتهم المدرسية مقارنةً بنظرائهم في سائر دول العالم. كما أن مستويات التحصيل داخل الولايات المتحدة تكشف عن مدى سوء مدارسنا الثانوية مقارنة بمدارس الطلاب الأصغر سناً. وعادةً ما يستند التقييم الوطني للتقدم التعليمي، الذي تجريه وزارة التعليم الأميركية، على ثلاث فئات عمرية: فئة التسعة أعوام، وفئة الـ13 عاماً، وفئة الـ17 عاماً. وعلى مدار الـ40 عاماً الماضية، ارتفعت معدلات القراءة بنحو 6 بالمئة في الفئة الأولى و3 بالمئة في الفئة الثانية. أما معدلات التحصيل في الرياضيات فسجلت 11 بالمئة في الفئة الأولى و 7 بالمئة في الفئة الثانية. وعلى النقيض من ذلك، لم يحرز طلاب المدرسة الثانوية أي تقدم على الإطلاق. فقد ظلت معدلات التحصيل في القراءة والرياضيات كما هي بين الطلاب من فئة الـ17 عاماً. وكذلك معدلاتهم في اختبارات العلوم والكتابة والجغرافيا والتاريخ. وبالمعايير المطلقة، وليست النسبية، فإن درجة تحصيل طلاب المدارس الثانوية في الولايات المتحدة مثيرة للخزي. وبعبارة أخرى، فعلى مدى الـ40 عاماً الماضية، لم يتم إحراز أي تقدم في الكفاءة الأكاديمية لطلاب المدارس الثانوية الأميركية رغم المناقشات التي لا تنتهي حول المناهج التعليمية والاختبارات وتدريب المعلمين وكذلك مرتباتهم ومستويات أدائهم، ورغم مليارات الدولارات التي يتم إنفاقها في إصلاح المدارس. إن الأمر لا يتعلق فقط بقانون «عدم إهمال أي طفل» أو مسابقة «سباق نحو القمة» اللذين أهملا طلابنا في مرحلة المراهقة، ولكن كل شيء قمنا بتجربته. فهناك قائمة طويلة ومثيرة للإحباط من التجارب الفاشلة. فأداء المدارس الثانوية المستقلة ليس أفضل على الإطلاق من المدارس الثانوية العامة، على الأقل فيما يتعلق بأداء الطلاب. والمنح المجانية للتعليم لا تحدث أي فارق في نتائج الطالب. ولا عجب أن يتم الإمساك بمديري ومعلمي المدارس في جميع أنحاء الولايات المتحدة أثناء قيامهم بتزوير بيانات أداء الطلاب. إنها فقط استراتيجية التعليم التي تحصل باستمرار على النتائج. إننا بحاجة إلى إعادة التفكير في المدارس الثانوية في الولايات المتحدة. والواقع أن توفير نوعية جيدة من التعليم في مرحلة ما قبل المدرسة تعتبر عنصراً هاماً في الإصلاح الشامل للتعليم، لكنه ليس كل شيء. وفي السنوات الأخيرة، دعا خبراء في مجال التطور المبكر للطفل إلى إعداد برامج لتعزيز مهارات الطفل «غير المعرفية»، وأشاروا إلى بحث يثبت أن النجاح الدراسي اللاحق لا يتوقف فقط على القدرات الأكاديمية التقليدية، لكن أيضاً على قدرات أخرى مثل ضبط النفس. كما خلصت الأبحاث حول العوامل المحددة للنجاح في مرحلة المراهقة وما بعدها إلى استنتاج مماثل: إذا كنت تريد النجاح لأبنائنا في سن المراهقة، فنحن بحاجة لمساعدتهم على تطوير الصفات غير المعرفية التي يحتاجونها للحصول على شهادتهم الجامعية، مثل العزم وضبط النفس والتحمل. لورانس ستاينبيرج أستاذ علم النفس بجامعة «تمبل» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»