لا يمكن وضع شاحنة وسيارة ودراجة نارية على رصيف واحد ثم المفاضلة بينها بزعم أنها كلها تنتمي إلى صنف المركبات، ولا المفاضلة بين دراجة تسير على الشوارع ودراجة مخصصة للبراري، ولن تكون المقارنة دقيقة حتى بين سيارة صالون من مقعدين وأخرى من أربعة مقاعد. ولا يمكن المقارنة بين دولة أوروبية وأخرى أفريقية بحجة أنهما دولتان عضوان في الأمم المتحدة، وماليزيا تقارن بإندونيسيا وسنغافورة والفلبين وبروناي وتايلاند وفيتنام ولاوس وكمبوديا وماينمار. وإذا كنا نريد الحصول على نتائج أكثر دقة، فماليزيا المسلمة تقارن بإندونيسيا المسلمة. ولا تصح مقارنة بلد بآخر ما لم يكونا ضمن إقليم جغرافي واحد، يتأثران معاً بالأحداث السياسية، ويواجهان معاً تحديات متشابهة، وينتمي شعباهما إلى حضارة واحدة أو ذات أصل واحد، ويرجعان إلى ثقافة واحدة أو متقاربة، ويتحكم فيهما مزاج واحد وثوابت ومسلّمات واحدة وخطوط حمراء واحدة، وبالجملة لابد من وجود هويات أو قواسم مشتركة بين البلدين تاريخياً وجغرافياً وسكّانياً وثقافياً، لتكون المقارنة بينهما منصفة ودقيقة. وتقع دولة الإمارات جغرافياً ضمن إقليم الشرق الأوسط الذي يتشكّل من 17 دولة، وينحدر شعب الإمارات من القومية نفسها التي تنحدر منها شعوب الدول العربية البالغة 23 دولة، ويعتنق شعب الإمارات الدين نفسه الذي تعتنقه شعوب الدول الإسلامية التي تبلغ 57 دولة، ولكل واحدة من هذه الهويات تأثير على جميع المستويات والأبعاد. وبطبيعة الحال هناك هويات أخرى مؤثرة، لكن قد تكون الهويات الجغرافية والقومية والدينية أكثر تأثيراً من غيرها في دول الشرق الأوسط والدول العربية والإسلامية، خصوصاً بوجود التفاوت في تأثير الهويات نفسها، فتأثير الهوية الجغرافية على شعب يعيش في منطقة منازعات وحروب كالشرق الأوسط، يختلف عن تأثيره على شعب يعيش في منطقة هادئة ومستقرة كأوروبا. وتأثير الهوية الدينية على شعب يحكمه نظام علماني كتركيا، يختلف عن تأثير تلك الهوية على شعب يحكمه نظام ديني، وتأثير الدين نفسه على الهوية التي يمثلها يتفاوت بين دين وآخر، فتأثير دين يوجه أتباعه في كل صغيرة وكبيرة كالإسلام، يختلف عن تأثير دين لا يلزم أتباعه إلا بعناوين عامة كالبوذية. وربما هذا ما كان يعنيه وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي في محاضرة ألقاها مؤخراً وذكر أن الإمارات تقدم نموذجاً ناجحاً في منطقة تندر فيها قصص النجاح والتنمية، فالدول الناجحة ليست بالقليلة في شرق الأرض وغربها، والإمارات ليست أكثر نجاحاً من تلك الدول، وتلك الدول ليست أكثر نجاحاً من الإمارات، فالإمارات ناجحة في محيطها وضمن ظروفها وكفى. لذلك يذهب الذين لا يرون ثمة مشكلة في المقارنة بين الشاحنات والسيارات والدراجات إلى أن هناك مبالغة في الحديث عن نجاح التجربة الإماراتية، لكن من يضع القواسم المشتركة في الاعتبار عند المقارنة، سيجد أن الأمر ليس فيه مبالغة، وإنما التجربة الإماراتية تفرض نفسها كأفضل تجربة ناجحة في هذا المحيط، وضمن هذه الهويات، أو كما قال وزير الدولة للشؤون للخارجية: في منطقة تندر فيها قصص النجاح والتنمية.