لم يعش أحد حياة قاسية كما عاشها أجدادنا الأوائل في صحراء الجزيرة العربية، التي باتت دولها تشكل دول مجلس التعاون الخليجي. كانت الصورة معروضة أمام نحو أربعة آلاف إنسان جمعهم مكان واحد. الصورة لطفلة لم تتجاوز أربعة أعوام من العمر، تمتطي جملا وقد بدا البؤس والتعب يُشعان من معالم الصورة. كانت الفتاة التي تظهر بالصورة تحمل بيدها إبريقاً وتشرب ماءً يطفئ لهيب الصحراء. تحدث المحاضر عن الصورة التي يعود تاريخها إلى الخمسينيات الميلادية. ما يعني أن هذا المشهد، لا يتجاوز عمره الستين عاماً. قال المحاضر الذي يشغل في حكومة بلاده منصباً رفيعاً؛ إننا تعلمنا من أجدادنا الأوائل، أن خدمة الناس، والسعي لتوفير السعادة لهم، هو لُب عمل القائد ومن يعمل معه، مستشهداً بالصورة التي تعكس توفير الخدمة بمقاييس عالية آنذاك. مشكلة كثير من القادة، أنهم لا يحترمون شعوبهم. يحتقرونها أحياناً، ويقللون من قدرها أحياناً أخرى. يتعاملون معها وفقاً لمنهج القائد الذي خطب في شعبه الثائر يوماً قائلا لهم: «من أنتم؟!»، على سبيل امتهانهم، فكان ردهم قاسياً إلى أبعد الحدود. لا تستطيع أن تخدم الناس وأنت لا تقدرهم. الدولة المدنية قائمة على تقديم الخدمات للناس، وهو ما يصطلح على تسميته بالتنمية، وهي في صلب المهام الوظيفية للدولة. واصطلحت هيئة الأمم المتحدة عام 1956 على تعريف التنمية بأنها هي العمليات التي بمقتضاها توجه الجهود لكل من الأهالي والحكومة بتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية لمساعدتها على الاندماج في حياة الأمم والإسهام في تقدمها. أما المحاضر صاحب صورة الفتاة التي تجلس على ظهر الجمل، فقد اعتبر أن الحكومة يجب ألا ترضخ لمقولات قديمة، فما قيل من إن «رضا الناس غاية لا تدرك»، ليس صحيحاً، بل يجب في الحكومة أن تكون قاعدتها: رضا الناس غاية تدرك. واعتبر المحاضر أن القائد الاستثنائي، يسعى أن يصل بشعبه إلى السعادة. ولذلك فرّق بين شعورين لدى المتعاملين مع الحكومة والمتعاطين مع خدماتها: الرضا العام، والرضا التام أو غاية الرضا، مشدداً على أن هذا ما تسعى إليه حكومته، وفقاً لمقياس وضعه رئيس الدولة ورئيس حكومته. قال للناس: قادتنا استثنائيون، لذلك يجب أن يعي كل وزير وكل مسؤول أنه إن لم يكن استثنائياً فإنه لن يصلح للعمل مع هذه الحكومة. كان المحاضر هو نائب رئيس الوزراء الإماراتي وزير الداخلية الشيخ سيف بن زايد، متحدثاً في القمة الحكومية التي عقدت في دبي (الإثنين، الثلاثاء، وتختتم اليوم الأربعاء). وعندما صعد ولي عهد دبي، الشيخ حمدان بن محمد بن راشد، ليطلق معالم حكومة دبي 2021، قال جملة قصيرة الكلمات، لكنها عميقة الدلالات: لدينا قادة استثنائيون كما قال الشيخ سيف، لكن أيضاً لدينا شعبٌ استثنائي. ألم أقل لكم أيها السيدات والسادة، إن من لا يقدر الناس، لا يستطيع أن يخدمهم؟!