لا شك أن الرياضة أصبحت هوساً لكل الشعوب وفي مقدمها الشعب الأميركي الذي يحتفل بكرة القدم الأميركية «السوبر بول» كل عام، وكأنها حدث قومي. غير أن تلك الاحتفالية في هذا العام شاهدها قرابة 111,5 مليون شخص، إما بشكل مباشر أو عبر الإنترنت. والرياضة استثمار حقيقي في الولايات المتحدة، كما في بقية أنحاء العالم. وقد لعب فريق «سياتل سيهوكس» و«دنفر برونكوس» هذه المباراة وفاز بها فريق سياتل لأول مرة في تاريخه بشكل ساحق. وفريق «سياتل سيهوكس» يملكه البليونير الأميركي «بول آلن» وهو شريك «بيل جيتس« في شركة «مايكروسوفت» الشهيرة. وتبلغ قيمة الفريق اليوم في حدود مليار دولار. أما الفريق الآخر «دنفر برونكوس» فيملكه بليونير آخر هو «بات بولن»، وهو رجل أعمال ويمتلك الكثير من العقارات وتبلغ قيمة الفريق الحالية في حدود مليار دولار كذلك. غير أن ما يميز نهائي «السوبر بول» هذا العام هو حجم الإعلانات الضخم، الذي ضخت فيه ملايين الدولارات من قبل العديد من الشركات الأميركية والعالمية، خاصة شركات السيارات، والأغذية، التي تسابقت على أن تكون لها حصة في مشاهدة متابعي هذه المباراة. وقد أثارت الرعاية التي قدمتها الممثلة الأميركية «سكارلت جونسون» اهتمام كثير من المهتمين بالسياسة وحقوق الإنسان في الشرق العربي. فدعايتها التي قدمتها عن شركة «صودا ستريم» الإسرائيلية أثارت غضب الكثيرين، ومن بينهم فنانون معروفون مثل «بنك فلويد»، الذي انتقد ما قامت به «سكارلت» من دعاية للشركة الإسرائيلية التي تصنع بعض منتاجاتها في مستعمرة «معالي أودوميم» في القدس الشرقية، كما أن منظمة «أوكسفام» التي تعمل من أجل مساعدة المحتاجين وضحايا الحروب حول العالم قد طلبت منها التخلي عن وظيفتها كسفيرة لها لدعم المحتاجين وجمع التبرعات. ورأت أن مثل هذه الوظيفة الإنسانية تتعارض مع الأهداف التجارية لشركة تقوم على أرض فلسطينية محتلة، ويدينها القانون الدولي. وقد أثارت هذه الضجة الإعلامية التي شاركت فيها صحف، ومجلات مرموقة مثل «نيو ربوبليك»، و«هوفينج بوست»، و«كريستيان ساينس مونيتور» وغيرها من المجلات والصحف الأميركية، كما أن المقالة التي كتبها عمر البرغوثي (مؤسس حركة مقاطعة إسرائيل BDS) في جريدة «نيويورك تايمز» صباح يوم المباراة حول مقاطعة إسرائيل جذبت أيضاً الكثير من الاهتمام. وتساءلت «لارا فريدمان» في مقالة لها في «هوفنج بوست» كيف يكون الاحتلال مساعداً إنسانياً، أو داعياً للسلام كما تقول الشركة التي تدعي أنها تساعد في بناء السلام بتوظيفها لخمسمائة عامل فلسطيني؟ أما الكاتبة كرستينا براينت فقد قابلت عمر البرغوثي وغيره من الناشطين الفلسطينيين، الذين ذكروا أن حملتهم ضد الاستثمار في إسرائيل قد آتت بعض أكلها حيث قررت دول الاتحاد الأوروبي في الربيع الماضي منع استيراد السلع الإسرائيلية المصنعة في المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. كما أن أكبر بنك هولندي اتخذ قراراً بمقاطعة البنوك الإسرائيلية التي تمول مشاريع صناعية أو زراعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومثل هذه الضجة الإعلامية ضد الصناعات الإسرائيلية وحملات المقاطعة من شأنها أن تظهر الوجه الحقيقي القبيح لإسرائيل أمام العالم، وقد لا تنجح حملات المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية والفنية ضد إسرائيل، مثلما نجحت في الماضي حملات المقاطعة ضد نظام «الأبارتايد» في جنوب أفريقيا، ولكنها ستبقي الموضوع الفلسطيني ومسؤولية العالم الأخلاقية أمام الاحتلال الإسرائيلي في مقدمه الاهتمامات الإعلامية في الصحف ومنظمات حقوق الإنسان حول العالم. وتأتي هذه الضغوط وسط محاولات دبلوماسية أميركية لإيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية في منتصف هذا العام، وينتظر أن يقوم الرئيس الأميركي في الربيع القادم بزيارة إلى المنطقة لدفع عجلة المفاوضات وإيجاد حلول دبلوماسية لاحتلال دام عدة عقود. ولقد بدأت بالفعل إسرائيل حملة إعلامية ضد أوباما، حيث ذكرت بعض الصحف الإسرائيلية، أن الأخ غير الشقيق للرئيس أوباما واسمه مالك أوباما، قد قام بزيارة لغزة، لدعم المواقف الفلسطينية ضد الاحتلال. والحرب الإعلامية سواء ضد الشركات والهيئات الاقتصادية، أو ضد سياسة الدول المستعمرة، حرب لا تنتهي، وطالما ظل الاحتلال قابعاً على صدور الشعب الفلسطيني، وحارماً إياه من أبسط حقوقه، فإن الضمير الحي في العالم بصحفه وفنانيه ومثقفيه سيقف مع الحق الفلسطيني، حتى يعود لأصحابه.