على الرغم من الإنجازات التي تحققت خلال العقود القليلة الماضية، على صعيد خفض عدد الوفيات بين الأطفال حول العالم، إلا أن أعداد الوفيات بين حديثي الولادة لم تحظ بالقدر نفسه من النجاح، حيث قد انخفضت معدلاتها بوتيرة أبطأ بالمقارنة بالسنوات الماضية. هذا على الرغم من أن غالبية الوفيات بين أفراد هذه الطائفة العمرية، هي نتيجة لأسباب ممكن الوقاية منها وتجنبها، في ظل توافر فرصة غير مسبوقة للتعامل مع المشاكل الصحية التي تواجه حديثي الولادة، وخصوصاً إذا تم دمجها ضمن منظومة الخدمات الصحية المقدمة للنساء والأطفال. حيث تتوافر حالياً دراية أعمق عن التدخلات الفاعلة، وعن قنوات توفير الرعاية الصحية، بالإضافة إلى أساليب التعامل المنهجية، والقادرة مجتمعة على توسعة مدى الخدمات الصحية، وعلى رفع مستواها. ومن المنظور الطبي، تعرف الولادة المبكرة على أنها حالات الولادة التي تتم قبل إتمام سبعة وثلاثين أسبوعاً من الحمل، على أساس أن الحمل الطبيعي يستمر فترة أربعين أسبوعاً. وعلى عكس ما يعتقد كثيرون، تنتشر حالات الولادة المبكرة بشكل كبير، ففي الولايات المتحدة مثلاً يولد 12 في المئة من الأطفال، أو واحد من كل ثمانية، قبل إتمام فترة الحمل الكاملة. وهو ما يترجم إلى أكثر من نصف مليون حالة ولادة مبكرة في العام الواحد. ومن المنظور العالمي، تتراوح معدلات الولادة المبكرة في 184 دولة، ما بين 5 إلى 18 في المئة، وهو ما ينتج عنه ولادة 15 مليون طفل مبكراً سنوياً، يلقى مليون منهم حتفهم بسبب المضاعفات الصحية، حيث تحتل الولادات المبكرة رأس قائمة أسباب الوفيات بين الأطفال حديثي الولادة، والمرتبة الثانية -بعد الالتهاب الرئوي- بين الأطفال دون سن الخامسة. والمؤسف أن ثلاثة أرباع هذه الوفيات، من الممكن تجنبها، ومن خلال تدخلات معروفة، لا تتطلب الكثير من المصادر المالية، ولا تحتاج حتى إلى التجهيزات الخاصة بالعناية المركزة أو الحضانات. وتكمن مشكلة الولادة المبكرة في أنه كلما قصرت فترة الحمل، كلما زادت مخاطر تعرض المولود الجديد للعديد من المضاعفات والمشاكل الصحية الخطيرة، مثل الشلل المخي، وأمراض الرئتين المزمنة، ومشاكل الجهاز الهضمي، بالإضافة إلى التخلف العقلي وفقدان السمع والبصر. وبوجه عام يفتقد المولودون مبكراً، القدرة على تنظيم درجة حرارة الجسم، ويتعرضون لمشاكل في الرضاعة، كما تتراجع قدرتهم على التنفس بشكل طبيعي تلقائي، ويصبحون عرضة للإصابة بالعدوى بمعدلات أكبر. هذه المشاكل الصحية تظهر نفسها بشكل جلي، من خلال الارتفاع الواضح في معدلات الوفيات خلال العام الأول بين هؤلاء الأطفال، والمعروفين أحياناً بالأطفال الخدج. وتحدث الولادة مبكراً لأسباب متنوعة ومتعددة، في الغالب بشكل تلقائي، وإن كانت تحدث أحياناً نتيجة تدخل طبي، من خلال الجراحة كما في بعض حالات الولادة القيصرية، أو من خلال استخدام الأدوية والعقاقير الطبية ضمن ما يعرف بالتحريض على الولادة أو الطلق الصناعي، والذي يُبدأ فيه المخاض طبياً. وتشمل أسباب الولادة المبكرة التلقائية الحمل في توائم، وإصابة الأم بأمراض مزمنة مثل داء السكري وارتفاع ضغط الدم، أو الإصابة بالعدوى. وعلى ما يبدو، أنه يوجد ارتباط أو علاقة، بين التركيبة الوراثية لكل من الأم والجنين، وبين احتمالات الولادة المبكرة. وحديثاً، وعلى حسب دراسة أجراها علماء كلية الطب بجامعة «ديوك» بالولايات المتحدة، ظهر وجود علاقة قوية بين وجود أعداد كبيرة من نوع محدد من البكتيريا، وبين ترقق الغشاء المحتوي على الجنين وما حوله من سوائل، مما يؤدي إلى تمزق هذا الغشاء مبكراً. ويعتبر انفجار الغشاء أو الكيس المحيط بالجنين مبكراً، السبب الرئيسي خلف ثلث حالات الولادة المبكرة، تقريباً. ويأمل العلماء أنه إذا ما ثبتت نتائج دراسة جامعة «ديوك»، بالمزيد من البحث والتمحيص، فيمكن حينها تطوير تدخلات علاجية، تقوم بعمل فحوصات محددة في المراحل الأولى من الحمل، للأمهات المعرضات للولادة المبكرة، للكشف عن وجود هذه البكتيريا من عدمها، ومن ثم علاج الحالات التي يثبت وجود البكتيريا بها، بالاعتماد على المضادات الحيوية. ولكن على الرغم من قائمة الأسباب سابقة الذكر، وغيرها، والاختراقات التي تحققها دراسات حديثة مثل دراسة جامعة «ديوك»، إلا أن الحقيقة أنه في الكثير من حالات الولادة المبكرة، لا يزال لا يوجد هناك سبب واضح. وفي ظل فهم أفضل، وإدراك أعمق، للأسباب التي تؤدي للولادة المبكرة، وللميكانيزمات التي تتم من خلالها، يمكن أن يؤدي ذلك لتطوير حلول وأساليب، تقي منها وتمنعها، يعتبر من الضروري بذل المزيد من الجهود في هذا المجال، إذا كان لنا أن نمنع هذه الملايين من الولادات المبكرة، وأن ننقذ حياة مليون طفل حديث الولادة كل عام.