فجر عرض كتاب «ايمي تشوا» المرتقب، «الحزمة الثلاثية»، صخباً اجتماعياً في وسائل الإعلام بين الأميركيين من أصل آسيوي. فقد استثار الكثيرون غضباً بسبب تقرير نشرته «نيويورك بوست» التي ذكرت أن تشوا حددت ثماني مجموعات «ثقافية» رفيعة في الولايات المتحدة: اليهود والهنود والصينيون والإيرانيون واللبنانيون والكوبيون والمورمون. والمشكلة، بالنسبة للأميركيين من أصل آسيوي، تدور حول إنتاج آخر للكاتبة تشوا يبدو وكأنه يخلد أسطورة «الأقلية النموذجية»، وبوجه خاص فكرة أن الآسيويين موهوبون ثقافياً –وحتى وراثياً- بالخصائص التي تمكنهم من النجاح في المجتمع الأميركي. قبل منتصف القرن العشرين، لم تكن فكرة الأم الآسيوية (القادرة على تربية أبنائها أفضل من الأم الغربية) موجودة في الخيال الوطني. وبدلاً من ذلك، كان الأميركيون يعتقدون أن الثقافة الصينية مثيرة للاشمئزاز، ويَعْرِضون الحي الصيني بالولايات المتحدة باعتباره مستعمرة للبغايا والمقامرين. وقد نشر المشرعون والمواطنون هذه الحجج لتبرير قيامهم بتهميش واستبعاد المجتمع الصيني من المجتمع الرئيسي في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية. وهناك خطر في تقديم ثقافة بوصفها صيغة للنجاح، لأن أفكارنا تكاد تكون ثابتة. كما أن تاريخ الرؤى الأميركية حول سلوك المهاجر الصيني توضح أن «الثقافة» عادة ما تكون شماعة يقدم عليها الأفراد مختلف الأجندات السياسية، تبعاً لمقتضيات الوقت الراهن. وخلال الحرب العالمية الثانية، ناضل الليبراليون البيض ضد العنصرية التي كانت تضر بقدرة الولايات المتحدة على خوض حرب من أجل الديمقراطية ضد دول المحور. ورأى كثيرون أن قوانين استبعاد الصينيين، التي تمنع المهاجرين الصينيين من دخول البلاد، تخاطر بتحالف الولايات المتحدة عبر الهادئ مع الصين واليابان. وأدركت لجنة المواطنين لإلغاء استبعاد الصينيين الخوف العميق من «الخطر الأصفر»، لذلك قامت بإعادة وصف الصينيين بأنهم أناس «ملتزمون بالقانون ومحبون للسلام ومهذبون، يعيشون بيننا بهدوء». وفي عام 1943 ألغى الكونجرس قانون استبعاد الصينيين. وفي خمسينيات القرن الماضي، أعاد صحفيون وعلماء وصانعو سياسة تدوير هذه الفكرة الوليدة، لتعميمها على نطاق أوسع، بينما كانوا يتلمسون حلاً لأزمة رعونة صغار السن. وأكدت مجلة «نيويورك تايمز» أن الشباب الصينيين يظهرون «طاعة لا جدال فيها» نحو آبائهم، بينما احتفلت مجلة «لوك» بـ«الحس الأخلاقي العالي» الذي يتمتعون به. وقد حظيت هذه الروايات بالقبول لأنها تتمسك بخطين مهيمنين لتفكير حقبة الحرب الباردة. الأول هو تقييم الأسرة النووية، والثاني هو مكافحة الشيوعية. والمراقبون الذين أشادوا بالصينيين التابعين للولايات المتحدة والكونفوشية «المبجلة» الخاصة بهم، تمكنوا بفاعلية من رسم تناقضات بين الحي الصيني في الولايات المتحدة والصين التي يرأسها «ماو تسي تونج» في إشارة إلى تفوق أسلوب الحياة الأميركي. وبحلول الستينيات من القرن الماضي، أصبح مفهوم الأسرة القوية المنضبطة الأساس للنمط العنصري الجديد للأميركيين الصينيين كـ«أقلية نموذجية»: نماذج محلية، متقدمة اجتماعياً وسهلة الانقياد سياسياً. وفي «خضم حركة الحرية للسود» في الستينيات، قارن العديد من رجال السياسة والأكاديميين وكذلك وسائل الإعلام الرئيسية، الصينيين بالأميركيين من أصل أفريقي. ووجدوا أنه من المناسب استدعاء «الثقافة» الصينية لمواجهة مطالب الحقوق المدنية وقوة النشطاء السود لإحداث تغيير جوهري. وفي عام 1966، دافع وزير العمل آنذاك دانييل باتريك موينيهان عن مطلبه المثير للجدل، وهو أن التركيز القوي جداً على النظام الأمومي في «ثقافة» السود هو المسؤول عن «تدهور» المجتمعات الأفروأميركية من خلال الإشارة إلى «الحياة الأسرية الواعية» للصينيين. كما قامت مجلة «يو إس نيوز آند وورلد ريبورت» بالمقارنة نفسها: «بينما تطرح اقتراحات لإنفاق مئات المليارات لرفع مستوى الزنوج وغيرهم من الأقليات، فإن مجتمعاً من 300 ألف من الأميركيين الصينيين يحرزون تقدماً بمفردهم، دون أي مساعدة من أي جهة أخرى». وكما هو الحال الآن، فإن الأميركيين الآسيويين شعروا بالانزعاج جراء ما يرون أنه تلاحم غير حقيقي. فالصورة النمطية تخفي وراءها مجموعة من الصعاب التي تواجهها مجتمعاتهم؛ مثل الفقر والمخدرات والانتحار والأمراض العقلية. وقد حذّر «لينج تشي وانج» في الرسالة الإخبارية للائتلاف السياسي الأميركي الآسيوي بجامعة بيركلي (1968) من أن مشاكل الحي الصيني «سوف تظل مهملة للأبد من قبل الحكومة» ما لم يتحرر المجتمع نفسه من «طغيان هذه الأسطورة الصينية». وعلاوة على ذلك، يكره النقاد الطرق التي تعزز بها الأفكار التي تدور حول الأميركيين الآسيويين، والتي تحط من الأميركيين من أصل أفريقي. ففي عام 1969، كتبت ايمي يوماتسيو لمجلة «جيدرا» بلوس أنجلوس، لتعرب عن الاستياء لتورطها في «العنصرية البيضاء» من خلال «احتجازها» أمام مجموعات أخرى من الأقليات كـ«نموذج للمحاكاة». واليوم، فإن مفهوم «الأقلية النموذجية» يسحر ويزعج في الوقت نفسه؛ لأنه تحديداً يقدم مخططاً لا لبس فيه، ورغم ذلك فهو غير دقيق ولا يقدم حلاً للقضايا الأكثر إلحاحاً في البلاد. إن العقبات التي يواجهها الأميركيون في الاقتصاد العالمي، وتراجع آفاق التحرك الاجتماعي والاقتصادي لدينا وعدم التيقن من أسلوب تربية الأبناء في الأوقات الصعبة، كل هذه تعتبر تحديات حقيقية. لكن «الثقافة» لم يعد بإمكانها تفسير «النجاح»، وإن كان بإمكانها العمل كترياق شافٍ لجميع معضلات الألفية الجديدة. لقد سمعنا ما يكفي من التعميمات الخاطئة حول «الأقليات النموذجية». إننا بحاجة لرؤية الأميركيين من أصل آسيوي، وغيرهم من الجماعات العرقية والإثنية والدينية الأخرى، كما يجب أن يكونوا متَّسِمين بالنشاط والتنوع وأكثر بكثير من مجرد أنماط ذات بعد واحد. الين وو كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي .انترناشيونال»