غريبة هي فكرة التعذيب الذي يمارسه الطغاة في معتقلاتهم، فكيف تُنزع الرحمة من قلوب البشر بكل هذه البساطة، وهل يستدعي اختلاف الأفكار والمعارضة السياسية أن أشك بغيري وأجعله مجرد جسد يتم تحويله إلى ساحة عذاب؟ فلا الإسلام ولا المسيحية ولا اليهودية، أو أي دين أو منهج يبيح التعذيب، وفكرته القادمة من أعماق تاريخية مظلمة اندثرت مع نور الإسلام وهدايته، فلم يكن هناك في صدر الإسلام مثل هذه الممارسات اللاحضارية. واليوم في ظل حقوق الإنسان والوعي السياسي والتحفز الذي يشهده العالم، تأتي مثل هذه الممارسات، وكأنها وحشية مستهجنة لا يمكن تصديقها. والأغرب أن ابتكار وسائل تعذيب لم يذكرها التاريخ إنما سكنت سجون سوريا منذ أكثر من أربعين عاماً، فكان الخلاف الفكري سبباً مهماً يبرر الزج في المعتقل وإقامة حفلات تعذيب يندى لها جبين الإنسانية. فلم يكن من يشتبه في تطرفه عرضة لذلك، فقط إنما الشيوعي وبائع البقلاوة الدمشقية والشاعر والمعلمة كلهم عرضة للإرهاب لأنهم تجرأوا، وقالوا إن هناك خللاً؟! وأصبحت إسرائيل، تقول وبوقاحة إنها لم تمارس تعذيباً، مثل الذي يحدث داخل السجون العربية العريقة. والصور التي تم تداولها مؤخراً- التي التقطها "قيصر"، وهو اسم حركي لمصور- تفضح وتؤكد حقيقة النظام الإجرامي الذي مارس كل هذه الجرائم مع سبق الإصرار مند عشرات السنوات كي يظل قائماً، حتى لو كان الثمن مزيداً من التعديب والموت. كيف لآدمي أن يقبل بمثل هذه الممارسات التي لا يمكن بأي حال وصفها، كيف لقلب أن ينام، وهو صاحب هذه الجريمة المروعة؟ أعجب من بشاعة إصرارهم على الوجود في السلطة وظنهم أنهم الأفضل. هدا التوثيق القاسي سيودي بالنظام لا محالة، وحتى وإنْ طال زمنه بمقاومته بحهود غيره، فالتاريخ الذي يتم رصده اليوم يوثّق ما يجري، ويكتب كل ما يفعله الطغاة ويصفهم بما يستحقون من نعوت. ورغم أن الجميع يعلم حق العلم مدى إجرام هذا النظام المنفرد في وحشيته، لكن القشة التي تقصم الوجود ستكون هذه الصور الخمسة وخمسين ألف، التي تحكي كل شيء باسم الضحية واسم المجرم والزمان والمكان. فالحكمة الإلهية تمهل الظالم، ولكن الأخد يكون شديداً من حيث لا يحتسب الظالمون. والزعم بأن القوة هي التي تُثبّت أعمدة النظام، كلام عار عن الصحة، فالتاريخ القريب والقريب جداً مليء بالقصص، والعبرة بخواتيم الطغاة. فلم يخلق الله الدنيا عبثاً، وليس أقوى من بطش الجبار، إلا بطش جبار السماوات والأرض، ليتحقق الوعد الإلهي، ويشفي الله صدور قوم مؤمنين. أحسب أن التفرد الذي يمارسه النظام السوري لا يشبه أحداً إلا ذاته والعذاب الذي ذاقه السوريون لم تعرفه شعوب الأرض مهما عظم مصابها. آن أوان اقتلاع هذا النظام من جذوره ورميه خارج إطار الإنسانية، لأنه لا يستحق البتة صفة إنسان، أو أي صفة قريبة من أي مخلوق حي. والمنتجع السويسري الجميل عليه أن يتحول إلى جحيم لمثل هؤلاء الذين لا يجدي معهم الحوار.