تصعيد جديد في الأزمة الأوكرانية... وفرص ضئيلة لحل الأزمة السورية هاجس عودة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي إلى المشهد السياسي من جديد، والرد الأوروبي المطلوب على تفاقم الأزمة الأوكرانية، وسقف توقعات منخفض لمؤتمر جنيف 2 الخاص بالأزمة السورية، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. عودة ساركوزي نشرت صحيفة ليبراسيون افتتاحية للكاتب فرانسوا سيرجان ناقش فيها ظاهرة عودة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي من حين لآخر ضيفاً على السجال الإعلامي والحزبي الفرنسي، وقد تحولت هذه العودة المتكررة إلى ما يشبه الهاجس في المشهد السياسي. وفي كل خروج إعلامي له يحاول ساركوزي إعطاء انطباع بأنه ما زال هو نفسه، الرجل المتفاني في التصدي للشأن العام، والزعيم المستعد دون قيد أو شرط للدفع بنفسه فداءً لفرنسا ودفاعاً عن مصالحها، ولماذا لا العودة أيضاً إلى الإمساك بزمام المبادرة السياسية، ولعب دور المخلص والمنقذ المحتمل من كل مأزق قد تواجهه. وربما تزيد التفكير في مثل هذا الاحتمال حالة انعدام الوزن والتيه السياسي التي يعاني منها اليمين الفرنسي منذ خسارته للرئاسيات الماضية بخروج ساركوزي نفسه من قصر الأليزيه. وقد عرف اليسار الفرنسي أيضاً حالة مشابهة مع عودة زعيم سياسي سابق مهزوم في الاقتراع لتصدر المشهد مرة أخرى وذلك من واقع التجربة مع رئيس الحكومة الأسبق ليونيل جوسبن، ولعل الفرق الوحيد الآن هو براعة ساركوزي في إعادة تسويق نفسه بين محازبيه الذين يغلق عليهم الأبواب ويفرض ما يشبه حظر نقاش في القضايا المزعجة، كما يحاول إعطاء انطباع عام لمن يلتقونه بأنه كرئيس سابق حاذق وفائق الخبرة، كما أن ترسانته الخطابية تبدو فعالة أيضاً في إمكانية كسب المعركة المقبلة حول أي شيء كان سواء في ذلك الموقف من (شينغن، والهوية والقيم الجمهورية، وتعريف التقدميين).. إلخ. ولهذا هنالك انطباع إعلامي بأن ساركوزي ما زال يحاول تصدر المشهد متخففاً من بعض أعباء الذاكرة وخاصة منها الهزيمة في رئاسيات 2012، وبعض الإخفاقات والفرص المهدورة في سنوات رئاسته الخمس. ولكن المفارقة أنه على رغم المناورات والمساعي تبقى حقيقة قائمة أيضاً هي أن ساركوزي بات وحيداً أكثر مما يريد هو تصديقه، كما أن الفرنسيين أصبحوا هم أيضاً أقل تسامحاً وقابلية للنسيان أكثر مما يأمل رئيسهم السابق. الأزمة الأوكرانية نشرت صحيفة لوموند مقالاً بعنوان «على أوروبا عدم التخلي عن أوكرانيا» قالت فيه إن أوكرانيا تمر الآن بلحظات عصيبة، وبالغة الخطورة، حيث يعرف وسط العاصمة كييف مواجهات عنيفة، حيث تضرم النار في الحافلات، وترتفع أعمدة الدخان أمام مبانٍ عمومية، وتخنق الجو روائح الغاز المسيل للدموع، ويتم إطلاق الرصاص المطاطي، وتحتدم المواجهات بين الشباب المحتجين ضد الحكومة ورجال الشرطة. والحال أن تلك البلاد تمر اليوم بأزمة سياسية جارفة، لم تعرف لها مثيلاً بهذا الحجم والزخم من الاحتقان والعنف منذ استقلالها في سنة 1991. وفي هذه الأثناء يحاول نظام الرئيس فيكتور يانوكوفيتش والمعارضة جاهدين الاستمرار في حوار متردد وذي أفق غير واضح النهاية حتى الآن. ولكن الطرفين السياسيين المتحاورين يجازفان عملياً بالتأخر عن مواكبة الأحداث الجارية على الأرض، التي يمكن أن تجنح في أية لحظة نحو مستويات مأساوية من العنف، بما قد يخرج عن كل سيطرة. وفي مواجهة هذه الأزمة المستفحلة قالت الصحيفة إن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يبقى هكذا متفرجاً دون رد. ومع إعلانه عن «انشغاله الشديد» بمجريات الأحداث، إلا أن عليه أيضاً أن يمضي خطوة أخرى أبعد من ذلك، بممارسة مزيد من الضغط على يانوكوفيتش، لأنه هو المسؤول في المقام الأول عن نشوب الأزمة الراهنة، تقول الصحيفة، وهو الذي أشعل النار في فتيلها، من خلال تبنيه لحزمة قوانين مثيرة للجدل، تم تمريرها يوم 16 يناير الجاري، وتنص على منع أية تظاهرات في الأماكن العامة، كما تنص على التضييق والتحكم في الإنترنت ووسائل الإعلام. وتقضي بالسجن لفترة تتراوح بين خمس وعشرات سنوات لكل من لا يلتزم بما تنص عليه هذه القوانين. وهي على كل حال تحد من هوامش المعارضة في التحرك والتعبير السياسي في وقت يقترب فيه موعد الاقتراع الرئاسي المقرر السنة المقبلة 2015. وقد اعتبر المنتقدون أن هذه القوانين تعود بالبلاد إلى الوراء حيث لم تعرف منذ استقلالها قبل أكثر من عشرين سنة أي تضييق صريح على الحريات السياسية، بهذا الشكل. وأخطر ما في الأمر، تقول لوموند، أن هذه التشريعات تؤكد المنعرج السلطوي الذي اتخذه نظام يانوكوفيتش، فضلاً عن تأثرها ببعض النفَس الروسي، وهي على كل حال، من وجهة نظر كثير من الأوكرانيين، من مختلف التوجهات والمشارب السياسية، تمثل تراجعاً كبيراً، وعودة بخطوتين إلى الوراء. ولضمان الخروج بالبلاد من مأزقها السياسي الراهن ، وإبعادها على حواف هاوية الانهيار المالي، كان يانوكوفيتش قد اختار سلفاً الاصطفاف إلى جانب موسكو، بدلاً من بروكسل. وقد تراجع في شهر نوفمبر الماضي عن توقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي، وبفعل ضغوط من الكرملين قبل في منتصف شهر ديسمبر مساعدة مالية بـ15 مليار دولار قدمتها روسيا. وفي الأخير قالت الصحيفة إن افتراض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجود «مؤامرة» غربية ضد بلاده، هو ما يدفعه لتشكيل فضاء «سوفييتي» حليف من الدول المجاورة لروسيا، في مواجهة الغرب، ولذلك فهو يتوجس من نشوب «ثورة برتقالية» في أوكرانيا قد تترتب عليها اضطرابات من شأنها تعكير الجو على الألعاب الأولمبية الشتوية المقررة في مدينة «سوتشي» الروسية. ومع أن الولايات المتحدة تبدي استعدادها لإصدار عقوبات على معسكر يانوكوفيتش إلا أن الاتحاد الأوروبي لا يبدي حتى الآن سوى اهتمام متواضع ولذا يتعين عليه استعادة زمام المبادرة، أقله بالإعلان عن خطوة مماثلة: التلويح بفرض عقوبات دعماً لمطالب المعارضة الأوكرانية. وفي افتتاحية لصحيفة لوفيغارو قال الكاتب بيير روسلين إن الثورة الأوكرانية من أجل الالتحاق بأوروبا شهدت يوم الأربعاء الماضي سقوط أول ضحاياها، وإن كانت ظروف مقتل بعض المتظاهرين ما تزال غير واضحة. ولكن المعارضة تتهم النظام باستهداف المعارضين واتباع خيار العنف ومنطق القوة، لتفريقهم من ميدان الاستقلال وسط العاصمة كييف، الذي يحتلونه منذ عدة أشهر. واعتبر الكاتب أن الرئيس الأوكراني المستقوي بالدعم الروسي يبدو أنه فضل أخيراً سحق معارضيه. ولهذا أصدر ترسانة من القوانين الحادة من الحريات التي تحظر مثلاً ارتداء الأقنعة أو انتقاد المسؤولين الحكوميين خلال التظاهرات، وهو بهذه الكيفية يجازف بالسير على طريق عهد «الديمقراطية الشعبية» في عهد المعسكر الشرقي لسابق! ومن هنا يتعين على دول الاتحاد الأوروبي أن ترد بصرامة على هذا المسلك المسلّط على نساء ورجال يعبرون عن تعلقهم بأوروبا وقيمها. ويتعين ألا تتوقف الإدانة الفضفاضة على الزعيم الأوكراني وحده وإنما ينبغي أيضاً انتقاد مسعى بوتين لتشكيل طوق من دول الجوار الروسي. وإذا كان المجتمع الدولي قد سمح بظهور زبون آخر لروسيا في دمشق، فعليه التحرك اليوم من أجل دعم الحرية في كييف. مؤتمر جنيف 2 تزامناً مع مفاوضات مؤتمر جنيف 2 بين النظام السوري والمعارضة، نشرت صحيفة لوموند تقريراً تحت عنوان «لن يتم إيقاف النظام السوري عن قتل شعبه إلا بالقوة» جمعت فيه مراسلتها «هلين سالون» تقييمات وتوقعات عدد من قادة ونشطاء المعارضة السورية، مشيرة في البداية إلى مساعي المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي الرامية إلى تحقيق اختراق في جهود التسوية، ودفع أطراف النزاع إلى التوافق على حل يوقف شلال الدم ويخفف أعباء المحنة الإنسانية المتفاقمة، ونقلت الصحفية عن ثلاثة من قادة المعارضة الذين حاورتهم واستطلعت آراءهم أن سقف المتوقع من مؤتمر جنيف 2 منخفض عموماً، وأنهم لا يرون أن المسار الدبلوماسي الجاري الآن يمكن أن يتكشّف عن حل جذري للأزمة السورية. والأخطر من هذا أنه في الوقت الذي تجري فيه اللقاءات بين الوفدين المتفاوضين في القاعات الفارهة هناك على ضفاف بحيرة «ليمان» السويسرية، تستمر أعمال قتل واستهداف النساء والأطفال والمدنيين على الأرض السورية وخاصة في مدينة حلب حيث تواصل قوات النظام الآن شن هجماتها على المدنيين وتلقي طائراته براميل المتفجرات على السكان. وإن كان وزير خارجية النظام اقترح في 17 يناير بموسكو وقفاً لإطلاق النار في محافظة حلب، فلم يكن ذلك إلا للالتفاف على أولويات مؤتمر جنيف 2 وأيضاً لكسب بعض الوقت، وخاصة أن النظام فقد السيطرة على معظم مناطق محافظة حلب، ولم تعد لديه قوات برية قادرة على التدخل هناك. إعداد: حسن ولد المختار