انتهي يوم الثالث من يوليو...أعلنت القوات المسلحة المصرية ومعها ممثلو القوي المدنية والشبابية إطلاق رصاصة الرحمة الأخيرة على «الإخوان» جماعة وحزباً، وقف عبد الفتاح السيسي ومجلسه العسكري يستمع في هذا اليوم إلى كل الآراء التي تحدثت عن ضرورة إعلان «خريطة الطريق» التي تزيح حكم «الإخوان» إلى الأبد رافضين فكرة الاستفتاء على إجراء انتخابات الرئاسة من عدمه، رغم أنها كانت الفكرة التي دافع عنها السيسي نفسه أثناء الاجتماع، ولكنه اختار في النهاية الإنحياز إلى رأي أغلبية المجتمعين، والملايين التي وقعت على استمارات «حملة تمرد» التي كانت تطلب سحب الثقة من مرسي وتدعو إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، كان هتاف المصريين قبلها يملأ كل الساحات والميادين «انزل يا سيسي» لم يكن أحد يدعوه للترشح لرئاسة الجمهورية إطلاقاً، ولكنها كانت دعوة طبيعية من المصريين لجيشهم العظيم الذي اعتادوا أن ينادوه فيلبي، أن يأمروه فيستجيب. فرغم كل ماكينات الدعاية «الإخوانية» ومن والاها –بقصد أو بغير قصد – التي كانت ترى أن مرسي هو من عيّن السيسي وزيراً للدفاع ولهذا سيكون ولاؤه له، وغفل هؤلاء حقيقة تقول بأن جيش الشعب المصري لا يمكن أن ينحاز إلا لإرادة المصريين،كنا ندرك -نحن شباب «تمرد» -ونحن نجوب البلاد طولاً وعرضاً نجمع توقيعات المصريين، ونتحدث إليهم عن ضرورة النزول والاحتشاد في الميادين، أن جيش أحمد عرابي الذي صرخ في مواجهة الخديوي توفيق «لقد خلقنا الله أحراراً ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً»، لا يمكن أن ينتصر إلا لأبناء وطنه. كنا ندرك أن جيش جمال عبد الناصر الذي انحاز للأغلبية الساحقة من فقراء هذا الوطن لا يمكن أن يعاند إرادة المصريين أو يرفض لهم أمراً. فلو كان الجيش يناصر شخصاً على أبناء وطنه، فقد كان الأولى به أن يناصر الرئيس المخلوع مبارك وهو أحد قياداته، إلا أن تقاليد العسكرية المصرية بداية من أحمس وحتى عبد الفتاح السيسي، لا تعرف إلا احترام إرادة المصريين والدفاع عنهم والموت في سبيلهم... اختار السيسي الطريق الأصعب، طريق مواجهة أوباما وإدارته في أميركا، و«إخوانه» وحلفائهم في الداخل المصري. استعان الرجل بإيمانه بالله وإرادة الشعب المصري التي لا تقهر، اختار أن يقول للعالم كله ما كتبناه بعد ذلك في ديباجة الدستور الجديد: « الشعب المصري هو السيد في الوطن السيد»، أي أنه لا صوت يعلو فوق صوت شعبنا على أرضه ولا اختيار إلا اختيارات هذا الشعب العظيم، انحاز السيسي أيضاً إلى خريطة الطريق كما وضعها الشعب المصري، فتم تعيين المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً للبلاد، وتم تعيين الدكتور البرادعي أحد أبرز وجوه ثورة يناير نائباً لرئيس الجمهورية، وقرر أن يكون الدستور أولاً، حتى يتم وضع الحدود الفاصلة لصلاحيات الرئيس والحكومة، وأن يضمن الحقوق والحريات للمصريين، وحتى يتجنب تكرار أخطاء المجلس العسكري السابق، الذي أصر على إجراء الانتخابات قبل الدستور، وهو ما أدى إلى ارتباك كبير بعد ذلك في المشهد السياسي المصري، وترك الرئيس «الإخواني» يصدر إعلاناً دستورياً يجعل من نفسه إلهاً فوق كل السلطات، ويحصن جمعيته التأسيسية الباطلة. إذن فالرجل ابتعد عن كل أخطاء المجلس السابق، ونفّذ ما يطلبه منه المصريون، ثم عاد مرة أخرى إلى موقعه الطبيعي وزيراً للدفاع لا يتدخل في الشأن السياسي. توالت أحداث كثيرة، ولكن النخبة السياسية المصرية، والأحزاب التي تشكل أغلبية الحكومة الانتقالية الحالية، فشلت في أن تُلبي طموحات المصريين. وجاء انسحاب البرادعي من المشهد السياسي بمثابة الطامة الكبرى، التي عززت لدى الشارع فكرة أن النخبة غير قادرة على تحمل المسؤولية، وهو ما دفعهم إلى المضي قدماً في الحديث عن فكرة ترشيح السيسي رئيساً للجمهورية. نجح الرجل بخطابه البسيط في أن يصل إلى قلب كل المصريين، فهو من أعاد إلى الجيش المصري سيرته العطرة في فترة قليلة، وهو الذي تحدى الإرادة والإدارة الأميركية المتمسكة بجماعة «الإخوان»، وهذا ما عزز وزاد من شعبيته لدى عموم المصريين الذين يكرهون التبعية لأميركا أو لغيرها، كذلك كان موقفه في دعم تطبيق الحد الأدنى للأجور داخل مجلس الوزراء من المواقف المحسوبة له، والتي زادت ارتباط الناس به، كذلك فإن كراهية جماعة «الإخوان المسلمين» له جعلته الأول في حب المصريين له بلا قيد أو شرط، خاصة في ظل كراهية عموم المصريين لهذه الجماعة بعدما ثبت كذبها وخداعها للمصريين. باختصار شديد مثل عبد الفتاح السيسي لدى عموم المصريين صورة زعيمهم الراحل جمال عبد الناصر في إصراره على الاستقلال الوطني، ورفضه للهيمنة الأميركية كذلك في تحديه لجماعة «الإخوان المسلمين» والمعروفة بعداوتها التاريخية للتجربة الناصرية بالكامل. وأخيراً بنظافة اليد المعروفة عنه منذ كان مديراً للمخابرات الحربية، فوسط فساد دولة مبارك وإفسادها لم يحصل السيسي على سنتيمتر من أراضي الدولة، ولم يحصل أبناؤه على أي مزايا اقتصادية أخرى، ولهذا لن يكون غريباً أن يهتف المصريون «انزل يا سيسي» فهل يستجيب لهم مرة ثانية؟!! محمود بدر صحفي – مؤسس حركة تمرد المصرية