لم يمض على تقلد رئيس وزراء إقليم دلهي المنتخب حديثاً «أرفيند كيجريوال»، مهام منصبه سوى ثلاثة أسابيع بعد أن حقق حزبه «عام آدمي» مفاجئة مدوية في انتخابات المجلس التشريعي للإقليم التي عقدت مؤخراً. وبالفعل نجح زعيم الحزب المؤسس حديثاً في تغيير ديناميكيات الانتخابات العامة في عام 2014، والتي تبدو حتى الآن منافسة شخصية بين مرشح حزب «بهاراتيا جاناتا» الهندوسي المعارض، «ناريندرا مودي»، لمنصب رئيس الوزراء، ونائب رئيس حزب «المؤتمر» الحاكم راهول غاندي، الذي يمثل واجهة الحزب في خوض الانتخابات العامة. غير أن حزب «عام آدامي»، الذي بدأ قبل عام واحد كمنصة لمحاربة الفساد، يركب الآن الموجة الشعبية في خارج إقليم دلهي، ويعتزم المنافسة في نحو 20 ولاية من بين الولايات الهندية الـ35، لينافس بصورة مباشرة حزبي «المؤتمر» و«بهاراتيا جاناتا». ومنذ تأسيسه في نوفمبر عام 2012، قدم الحزب الجديد مرشحين ليس لديهم أية سجلات جنائية، وأبدى شفافية فيما يتعلق بعملية التمويل، وتجنب مباهج السلطة. وأحدث الحزب مفاجئة بانضمام كوكبة من المحترفين رفيعي المستوى من أنحاء الدولة. ومن بين المنضمين إلى «عام آدمي» الرئيسة السابقة لـ«بنك أوف أسكتلاند»، ميرا سانيال، ورائد الطيران منخفض التكاليف «جوبي ناث»، والمدير المالي السابق لشركة تكنولوجيا المعلومات العملاقة «إنفوسيز» بالاكيريشنان، إلى جانب أدراش شاستري شاستري حفيد رئيس الوزراء الأسبق لال بهادرو شاستري. وفي هذه الآونة، يحسب حزبا «بهاراتيا جاناتا» و«المؤتمر» حساباتهما للحملة الانتخابية مع بزوغ نجم الحزب الوليد «عام آدمي»، الذي تفوق على الحزب الحاكم وحال دون حصول حزب المعارضة الرئيس على أغلبية كاسحة في دلهي. وفي حين يُقرّ زعماء «بهاراتيا جاناتا» بأنه سيكون من الحماقة تجاهل الحزب الجديد الذي أسَرَ خيال الشعب الهندي، أفاد نائب رئيس حزب «المؤتمر» راهول غاندي بالفعل بأن هناك ما ينبغي تعلمه من الحزب الجديد الذي خاض الانتخابات تحت راية مناهضة الفساد. ومن المتوقع أن يسبب الحزب الناشئ بعض الأضرار الحقيقية للأحزاب القائمة منذ وقت بعيد، حتى إذا نافس على عدد محدود من المقاعد. وتنتشر شعبية «عام آدامي» في المراكز الحضرية أكثر من المناطق الريفية، لذا فإن القلق أكبر لدى «بهاراتيا جاناتا»، الذي يستمد دعمه التصويتي من المناطق العمرانية، في حين تتمركز غالبية ناخبي حزب «المؤتمر» في المناطق الريفية الفقيرة. ويأمل الحزب الهندوسي في أن يشغل ـ تحت قيادة مودي الذي تمنحه استطلاعات الرأي في الوقت الراهن أفضلية على راهول غاندي ـ ما يزيد على 200 مقعد من إجمالي عدد مقاعد البرلمان البالغة 550 مقعداً، ليصبح صاحب أكبر أغلبية منفردة. ولكن حزب «عام آدمي» يسابق الزمن في إطار محاولته الرامية إلى تغطية الدولة بأسرها، حيث يصوت الناس على أسس دينية واجتماعية، مع وجود علاقات إقليمية قوية. وفي الحقيقة، لن تكون انتخابات البرلمان في عام 2014 منافسة بين أكبر حزبين وطنيين في الدولة، ولكن ستعتمد أيضاً على نوعية الحلفاء الممكن جذبهم وإمكانية أن يصبح حزباً إقليمياً لاعباً رئيساً. وترتكز السياسة الهندية في الوقت الراهن على التحالفات في ضوء نهوض أحزاب إقليمية وأحزاب تابعة في ظل وجود حزبين قوميين رئيسين يحتاجان إلى تحالف من أجل العودة إلى السلطة. ولعل الحاجة إلى جذب حلفاء من الأسباب وراء قرار رئيسة حزب «المؤتمر» سونيا غاندي بعدم الإعلان رسمياً عن ترشيح ابنها لشغل منصب رئيس الوزراء من خلال الحزب. ويرجع هذا القرار إلى أنه في ظل التجاذبات الناجمة عن سياسة التحالفات إلى جانب إقبال كثير من رؤساء الحكومات الإقليمية على إبداء عزمهم الترشح للمنصب، سيكون من الأسهل لحزب «المؤتمر» تشكيل تحالفات من دون الإعلان رسمياً عن مرشح لمنصب رئيس الوزراء. وعلى رغم أن «باهاراتيا جاناتا» حلّ في استطلاعات الرأي أمام حزب «المؤتمر» منذ أن أعلن مرشحه لرئاسة الوزراء في سبتمبر، إلا أن «مودي» يعتبر سياسياً مثيراً للجدل ومراوغاً وتعرض لانتقادات بسبب وقوفه خلف أحد أسوأ مسلسلات العنف بين الهندوس والمسلمين، والذي راح ضحيته أكثر من 1500 مسلم. ومع وجود «مودي» في مقدمة الحزب، لا يبدو لـ«بهاراتيا جاناتا» أفضلية عندما يتعلق الأمر بجذب الحلفاء، إذ أن كثيراً منهم يرتاب في المرشح وسجل أفعاله الماضية. ومن جانب آخر، تكمن عدم أفضلية حزب «المؤتمر» في أنه يواجه موجة استياء، حتى على رغم نضاله من أجل تحسين صورته عقب سلسلة من فضائح الفساد في ثاني فترة له في السلطة. ويأتي في مقدمة دواعي الاستياء ارتفاع معدلات التضخم التي أسفرت بالطبع عن قفزة في أسعار السلع الأساسية. واختبر حزب «المؤتمر» الحاكم مدى تراجع شعبيته في انتخابات المجلس التشريعي التي عقدت مؤخراً، عندما واجه هزيمة في أربع ولايات نتيجة قضايا مثل ارتفاع الأسعار والفساد. وتبدو الانتخابات العامة المزمع إجرائها العام الجاري في حالة تَميُّع، ومن ثم ربما تشهد الهند مفاجئة في صناديق الاقتراع على غرار ما حدث في دلهي، إذ لم يكن أحد يعتقد أن «عام آدمي» سيحصل سوى على عدد قليل من المقاعد فضلاً عن تشكيل الحكومة.