ما حصل في مصر بسقوط رئيسين سابقين مبارك ومرسي في فترة قياسية وخروج الملايين بعد ذلك إلى الشوارع لإخراج مصر من سيطرة الحزب الواحد «الوطني» و«الإخواني» بتشكيل حكومة مؤقتة وضعت في 3 يوليو «خريطة الطريق» لإنقاذ مصر من براثن المتربصين بها إلى قلب الاستقرار الذي كان ضحية السنوات الثلاث التي سبقت هذا الوضع. هناك خطوات ثلاث رئيسية تضمنتها «خريطة الطريق» التي وافق الشعب عليها تتمثل في الدستور والرئاسة والبرلمان، فهذا المثلث السياسي يحافظ على مصر من الاختطاف من قبل أي جماعة أو تيار يريد تحقيق أغراضه الخاصة ضد مصالح مصر العليا. فالاستحقاق الأول تحقق من خلال الاتفاق على الدستور الجديد وبنسبة تأييد 98,1% من الناخبين، الذي يعطي الشرعية للمضي بمصر نحو تحقيق أهدافها القومية بعيداً عن الأيديولوجيا التي كادت تعصف بمصر الآمنة منذ القدم. هذا الدستور الجديد يؤرخ لمرحلة حاسمة من حياة الأمة العربية ولمكانة مصر من القلب، وما يحدث في مصر لا يمكن تجاهله لأن العالم العربي يتأثر بأي هزة، فكيف إذا كان التغيير بالحجم الذي عبر عنه الشارع المليوني مرات عديدة. ومن هذا المنطلق قامت دول الخليج بوضع ثقلها مع مصر وضخت المليارات في اقتصادها حتى تساهم في عودتها إلى الصف العربي للعب الدور الذي ينتظر منها في المستقبل. البداية من الدستور لأنه يحفظ للدولة المصرية هيبتها ومكانتها ويضعها في الطريق السليم عند الوصول إلى مرحلة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فإذا مضت الأمور كما هي مرسومة في ذهن القائمين على إدارة شؤون مصر في مرحلتها الانتقالية، فإن التغلب على التحديات والعقبات بعد إقرار الدستور الذي يوحّد المصريين حول مصر الدولة الوطن الذي يحتضن كل فئاته تحت راية الوحدة الوطنية، بعيدة عن كل الحمولات الأيديولوجية لأي فكر كان، فإذا كان الدستور الجديد قد حل هذه المعضلة الفكرية، فإن الخطوات القادمة يمكن البناء عليها على هذا الأساس سواء في اختيار المرشح للرئاسة أو أعضاء البرلمان أو غير ذلك من المؤسسات الدستورية. والدستور الذي أُقِرَّ أنقذ مصر من فتنة لا تترك أحداً على حال سواء كان فرداً أو جماعة أو حزباً، لأن تأجيج الطائفية وإثارة النعرات الدينية في دولة عاشت مع كل أطيافها سلاماً اجتماعياً منذ آلاف السنين، كان أمراً مرسوماً في كواليس الفكر الإقصائي، إلا أنه جاء اليوم الذي يخرج الجميع على السطح ويظهر ما كان في يوم ما سراً لا يُعلم إلا في الدوائر الأمنية، فمصر أصبحت اليوم أكثر وضوحاً مع نفسها ومع المحيطين بها والعالم من حولها. إذا كان الدستور الجديد هو السياج القانوني الأكبر لحماية مصر الدولة والوطن والتشريعات التي على ضوئه ترسم معالم مصر في أصعب مرحلة تمر بها. نفترض في هذا الدستور منذ البداية المرونة ومراعاة مستجدات الواقع الجديد الذي على أساسه تنطلق مصر لبناء مشاريعها في كافة المجالات، وبناء عليه فإن الشعب الذي أدلى بصوته وأبدى رأيه في إقرار الدستور له الدور الأكبر في حمايته والدفاع عنه إذا ما خرج تيار يقف ضد هذا المكسب الذي لم يتحقق بسهولة. فالاستقرار هو الهدف النهائي من هذا الدستور الجديد وذلك بعد سنوات من الاضطراب والإخلال بالأمن عندما دخلت تيارات متطرفة للقفز على منجزات الذين طالبوا بالحرية والديمقراطية والعدالة، ومحاولة قطف ثمار التغيير بعد أن قاربت من النضوج والقطاف. فإذا كان هذا العامل السلبي دخل على خط التغيير السلمي بالعرض فلابد من جعل الدستور الجديد حصانة لعدم دخول أصحاب فكر الإرهاب إلى هذا المضمار حتى تمضي مصر آمنة مطمئنة إلى تحقيق كل طموحات شعبها وبسواعد الذين أرادوا بهذا التغيير بناء مصر جديدة وبدستور جديد.