يعتبر اغتيال بيناظير بوتو في 2007 واحداً من الجرائم الكبيرة التي لم تجد طريقها إلى الحل في زمننا المعاصر، لكن الجرائم التي لم تحل ليست غير مألوفة في باكستان. فضياء الحق، عدو بوتو اللدود الذي كان رئيساً للبلاد، وكان وراء إعدام والدها، لقي حتفه عام 1988 في حادث تحطم طائرته الذي كان نتيجة عمل تخريبي، ورغم أنه كان ثمة عدد كبير من المتهمين في هذه القضية، فإنه لم يتم أبداً توجيه التهمة إلى أي جهة. كما أن كلا شقيقي بوتو لقيا حتفهما أيضاً: شاه نواز الذي مات مسموماً في 1985، ومير مرتضى الذي قُتل رمياً بالرصاص أمام منزل العائلة في كراتشي عام 1996. وفي كتاب «الإفلات من العقاب...اغتيال بيناظير بوتو والحياة السياسية الباكستانية»، يحاول هيرالدو مونوز فك لغز هذه الجريمة، مسلطاً الضوء على الدور غير المتوقع الذي لعبته أميركا في الأحداث المأساوية، والعلاقة المعقدة بين باكستان والولايات المتحدة، وتداعيات اغتيال بوتو على السياسة العالمية. وقد وجد مونوز نفسه في لجة الحياة السياسية الباكستانية عندما عينه أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون في يناير 2009 رئيساً للجنة أممية أنيطت بها مهمة التحقيق في مقتل بوتو. ويُعتبر كتابه الذي نعرضه هنا ثمرة تحقيق دام عاماً كاملا في محاولة لحل لغز هذه الجريمة، لكنه لا يكتفي بتسليط الضوء على ملابساتها السياسية فحسب، وإنما يتعرض أيضاً للمشهد السياسي في باكستان. بعد ولايتيها السابقتين وغير المتتاليتين كرئيسة لوزراء باكستان حتى إقالتها في نوفمبر 1996، ثم الانقلاب العسكري في 1999، عاشت بوتو وزوجها آصف زرداري في المنفى حتى عام 2007، عندما سعى برويز مشرف وداعموه في واشنطن ولندن إلى تقوية قبضته (التي بدأت تتراخى) بتحالف سياسي مع بوتو، زعيمة حزب الشعب الباكستاني. وفي اجتماع سري بين بوتو ومشرف في يناير من ذلك العام، توصلا لاتفاق وافق فيه هذا الأخير على التقاعد من الجيش قبل الانتخابات الوطنية وإسقاط تهم الفساد ضد بوتو وزوجها إذا أحجمت هذه الأخيرة عن العودة إلى باكستان حتى ما بعد الانتخابات، محذراً إياها مما قد يصيبها في حال عجَّلت بالعودة قائلا: «إن أمنك مرهون بحالة علاقتنا». لكن بوتو تجاهلت تحذيره وقررت العودة إلى باكستان مبكراً من أجل المشاركة في الانتخابات، بينما رفضت الولايات المتحدة تحمل المسؤولية عن أمنها واكتفت بأن أوصتها بالاستعانة بخدمات متعاقدين أمنيين مثل شركة «بلاك ووتر».لكن بوتو رفضت وطلبت من نائب الرئيس (تشيني) تحميل مشرف المسؤولية عن سلامتها (وهو ما لم يفعله)، كما طلبت من وزير الخارجية البريطاني (ميليباند) الضغط على مشرف حتى يزيح من إدارته ثلاثة أشخاص كانت تشتبه في أنهم يريدون بها السوء...لكن بدون جدوى. وفي ليلة عودتها إلى كراتشي في أكتوبر 2007 تعرضت لمحاولة اغتيال فاشلة بواسطة قنبلة استهدفت موكبها وقُتل فيها 149 شخصاً، لكن بوتو لم تُصب بأذى. بيد أن المحاولة الثانية كانت ناجحة وحدثت في 27 ديسمبر بعيد إلقائها خطاباً في روالبندي، حيث استقلت مركبتها ووقفت لتحيي أنصارها من فتحة سقف مركبة اللاندكروزر، ثم سمع الشهود «وابلا من إطلاق النار تلاه الانفجار القوي».لكن روايات شهود العيان اختلفت، فمنهم من قال إن بوتو قُتلت برصاصة ومنهم من قال إنها قُتلت بالقنبلة. ونُقلت بوتو إلى مستشفى روالبندي حيث حاول الأطباء عبثاً إنقاذها. ثم أعلن متحدث باسم وزارة الداخلية أن بوتو ماتت جراء إصابة في الرأس أحدثها مقبض فتحة السقف في مركبتها. غير أنه لم يتم إجراء أي تشريح لجثتها. ومباشرة بعيد الهجوم، تم تنظيف مسرح الجريمة بواسطة خراطيم المياه ذات الضغط العالي. ثم قالت وزارة الداخلية إن زعيماً قبلياً من الشمال الغربي يدعى «بيت الله محسود» هو الذي أمر بالاغتيال بدعم من «القاعدة». مونوز وفريقه قدموا تقريرهم غير الشامل في أبريل 2010. وفي 2012، قدم وزير الداخلية رحمن مالك «التقرير النهائي للتحقيق» الذي أنجزته «وكالة التحقيق الفدرالية» الباكستانية مشيرة إلى 27 مجموعة إرهابية باعتبارها متورطة في جريمة الاغتيال. وفي متم ذلك العام، وصفت صحيفة «دون» الباكستانية التحقيقات القضائية قائلة: «تحقيقات متكررة ولا نهاية لها، ومحامون غير مبالين، ونظام قضائي تعمه الفوضى، وحكومة لا تكترث... كلها أمور ضمنت أن يظل التحقيق في مقتل بوتو مراوحاً مكانه». محمد وقيف الكتاب: الإفلات من العقاب: اغتيال بيناظير بوتو والحياة السياسية الباكستانية المؤلف: هيرالدو مونوز الناشر: دبليو. دبليو. نورتون آند كومبني تاريخ النشر: 2013