تصريحان واضحان برزا خلال الأسبوع الماضي من قبل مسؤولين إيرانيين حول العلاقة مع دول مجلس التعاون، وأهمية فتح حوار إيجابي بين الطرفين. فلقد أشار نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية حسين عبداللهيان إلى أن الإمكانيات متوافرة الآن لإقامة حوار مباشر بين السعودية وإيران، وأن بلاده ليست لديها أي مانع من زيارة مسؤولين سعوديين لطهران، وكذلك العكس فإن المملكة ترحب بزيارة المسؤولين الإيرانيين. وذكر أنه توجد نقاط خلاف، وهي دائماً على جدول الأعمال للحوار بين مسؤولي الدولتين. وحول وجود مبادرة كويتية للتوفيق بين البلدين قال المسؤول الإيراني: «نرحب بأي حسن نية للعمل والتعاون الجماعي في المنطقة». وحول قيام الاتحاد الخليجي أشار «عبداللهيان» إلى أن إيران «لا تشعر بأي خوف أوقلق من إقامة هذا الاتحاد ، ولا نتصور أي إجراء من الدول المجاورة ضد إيران، وأن أي اتحاد يقوم من أجل مزيد من التقدم، وبالتالي كلما زاد انسجام وقوة جيراننا، فهذا يوثر إيجاباً على الانسجام والقوة لدينا ». بدوره اقترح رئيس مؤسسة الطاقة الذرية الإيرانية (علي أكبر صالحي) إقامة مؤسسة للتعاون النووي لمنطقة الخليج. وأشار إلى أن الهدف من إقامة هذه المؤسسة هو تبديد قلق دول منطقة الخليج بعد أن أزالت إيران هواجس الغرب بشأن برنامجها النووي بالتوقيع على اتفاق جنيف- 1 ، وأضاف أن مثل هذه المؤسسة – غير الحكومية – يمكن ارتقاؤها إلى مؤسسة للتعاون النووي بين دول الخليج. وقال« أعلنا في العديد من المناسبات، ونعلن حالياً استعداد إيران لإجراء مشاورات بين خبراء إيران النوويين والخبراء النوويين في منطقة الخليج ليجروا مشاورات علمية وفنية بشأن «قواعد الأمان» في محطة بوشهر النووية، وأن إيران على استعداد لأن يزور الخبراء النوويون في منطقة الخليج محطة بوشهر النووية». ماذا تعني هذه التصريحات «الإيجابية» و «المخملية» من جانب إيران؟ وفي هذا التوقيت بالذات؟ هل لنا أن نتفاءل بوجود إيران صديقة جديدة في المنطقة؟ بعيداً عن الصور والممارسات السابقة التي شهدناها في عهد أحمدي نجاد؟ هل كان مؤتمر «جنيف1» العصا الطويلة التي ارتفعت في وجه إيران كي تساهم بدور إيجابي في حل مشكلاتها مع جيرانها ومع الغرب من أجل رفع الحصار الاقتصادي عليها من قبل المجتمع الدولي؟ وهل فعلاً أن الوساطات الأخيرة في الجزء الأخير من عام 2013 قد أثمرت عن إيران جديدة غير متوترة وغير متشنجة تجاه جيرانها وتجاه المجتمع الدولي، بما في ذلك «الشيطان الأكبر»؟! ويبدو أن الإدارة الأميركية بدت غير مهتمة بالتصريحات الأخيرة للرئيس الإيراني عندما أشار إلى أن امتلاك إيران للطاقة النووية هو لتوفير الوقود،وإننا نسعى لتوفير وقود المحطات النووية». لذلك قال المتحدث باسم البيت الأبيض «جاي كارني»: «ليس مفاجئاً بالنسبة إلينا، ويجب ألا يكون مفاجئاً لكم أن يصف الإيرانيون الاتفاق بطريقة معينة موجهة للجمهور الداخلي، لا يهم ما يقولونه المهم ما يفعلونه». وهو يرد بذلك على تصريحات الرئيس الإيراني وقوله إن اتفاق «جنيف1» يمثل استسلاماً للدول الكبرى أمام الشعب الإيراني»! وفيما يتعلق بالأمر ذاته، شنَّ عضوان «جمهوريان» في مجلس الشيوخ الأميركي هجوماً على إدارة أوباما بعد ظهور معلومات تفيد بأن اتفاق «جنيف1» يتضمن بنوداً غير معلنة! وقال «جون ماكين» و «ليندسي جراهام»- المعروفان بانتقادهما لسياسة أوباما تجاه إيران:«ندعو إدارة أوباما إلى كشف حقيقة هذا الوضع بشكل فوري بهدف التأكيد من إطلاع أعضاء الكونجرس بشكل كامل وسريع على موضوع الدبلوماسية النووية مع إيران». المراقبون ما زالوا «حائرين» في وصف التحرك الإيراني الجديد، والترشيحات التي برزت خلال الأسبوع الماضي عن «حلحلة» النزاع بين إيران ودولة الإمارات العربية المتحدة حول جزرها الثلاث التي احتلتها إيران بالقوة منذ أوائل السبعينيات! كما أنهم «حائرون» أيضاً في استيعاب «المناورات» الدبلوماسية الإيرانية، وتعدُد وتنوُّع التصريحات «الناعمة والشرسة» حسب مقتضى الحال، في قضية واحدة، هي العلاقات مع دول مجلس التعاون، وحقيقة التوجه نحو إقامة مؤسسة نووية تشترك فيها إيران مع دول التعاون. وهل سيكون ذلك مقدمة لترتيبات أمنية قادمة تكون إيران الطرف الأقوى فيها؟ تزداد علائم الاستفهام في المزاج الخليجي، رغم «مرارة» التجارب السابقة و«التشظيات» التي حصلت خلال الأربعين عاماً الماضية، علماً بأن دول مجلس التعاون ومنذ عام 1981 دأبت على مد اليد لإيران ودعوتها – في كل قمة خليجية – إلى إقامة علاقات طبيعية وحسن جوار بما يخدم الطرفين، وحل المشكلات القائمة عن طريق الحوار، إلا أن إيران لم تقابل كل ذلك بما تتطلبه الاستراتيجية طويلة المدى، وأن المواقف – في عالم السياسة – لا تعرف الثبات، وأكبر دليل على ذلك قيام إيران بمصافحة «الشيطان الأكبر»!.