انفجرت في السابع عشر من ديسمبر الماضي أكبر فضيحة فساد في تركيا هزت الحكومة التركية التي يترأسها رجب طيب أردوغان، حيث نفذ محققون ورجال الشرطة حملة مداهمات شملت أكثر من 50 من رجال الأعمال، منهم ثلاثة من أبناء وزراء في حكومة أردوغان. واتهم المحققون رجال الأعمال المذكورين بالفساد، وقال أردوغان: إنها «بقعة سوداء في تاريخ تركيا الديمقراطي»، وهي خيانة أسوأ من أي انقلاب عسكري شهدته البلاد في العقود الماضية. وبعد انطلاق تحقيقات الفساد قدم ثلاثة من وزراء حكومة أردوغان استقالاتهم، وسارع أردوغان لإجراء تعديل وزاري في 25 ديسمبر ليشمل 10 وزراء بالحكومة. وقال: إن تحقيق الفساد تقف وراءه قوى أجنبية معارضة لسياسة تركيا الخارجية، وعازمة على تدمير اقتصادها قبل انتخابات هذا العام. وسارعت حكومة أردوغان بالرد على تحقيقات الفساد بإقالة نحو 350 من أفراد الشرطة في العاصمة أنقرة، كما أنهت خدمة 16 من القيادات في الشرطة من بينهم قادة الشرطة في كل من أنقرة وإزمير وأنطاليا وديار بكر. كما سعت لتشديد سيطرة الحكومة على القضاء?،? حيث قدمت الحكومة مشروع قانون يهدف إلى تعزيز الرقابة السياسية على القضاء بإعطاء وزارة العدل السلطة العليا في مجال تعيين القضاة، وهو ما واجه معارضة شديدة من حركة المعارضة ونقابة المحامين الأتراك الذين اعتبروه انتهاكاً للدستور. وقد طالب الاتحاد الأوروبي بتحقيق شفاف ومحايد في فضيحة الفساد التي تعصف بالحكومة في تركيا. وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي: إن فصل الحكومة مئات من ضباط الشرطة، بما فيهم قادة الشرطة في بعض المحافظات، يمكن أن يؤثر على قدرة الشرطة والقضاء على الالتزام بالحياد في متابعة القضية. حملة اعتقالات وتحقيقات في إطار فضيحة فساد هزت حكومة أردوغان تعقبها حملة على الشرطة والقضاء. وأردوغان يطلق التهديدات لجهات خارجية ويتهم أعضاء حكومته المتهمين بالفساد بالخيانة. للخارج تبدو صورة الحدث غائمة وغير مفهومة وفي الداخل لا ينقطع الحديث عن شقاق بين حزب التنمية والعدالة وحركة فتح الله كولن، وحقيقة لا يمكن فهم الأوضاع التركية دون التطرق لحركة كولن وتأثيراتها على مجريات الأحداث التركية. ظهر اسم فتح الله كولن في ثمانينيات القرن الماضي كصاحب مشروع للإسلام الاجتماعي المعتدل، ونشأت جماعته مركزة على الجانب التعليمي والتثقيفي، وبدأوا في السيطرة على مراكز التعليم الخاصة التي تقدم دروس التقوية لتلاميذ المرحلة الثانوية والجامعية، التي انتشرت بشكل كبير في تركيا، وكانت الجماعة تتحاشى الخوض في السياسة، حتى عام 2001 حينما أيد انشقاق أردوغان وعبدالله غول عن نجم الدين أربكان وحزبه «الفضيلة»، وإنشاء حزب جديد تحت مسمى «العدالة والتنمية». وصوت أنصار الحركة لحزب «العدالة والتنمية» في انتخابات عام 2002 وانتخابات 2007، وأخيراً في انتخابات 2011. وفي البداية تعاونت حركة فتح الله كولن مع حكومة أردوغان تعاوناً وثيقاً للحد من نفوذ النخبة السياسية العلمانية وتقليص نفوذ الجيش في الحياة السياسية، ولكن للحركة سياسة خاصة تعتمد على التمدد في الإدارات الحكومية وخاصة في القضاء والجيش ووزارة الداخلية إضافة بالطبع إلى العاملين في المدارس ورجال الأعمال الطامحين لتحقيق أرباح في ظل سياسات حكومة حزب «العدالة والتنمية»، وتعتبر جهات عدة أن تحقيقات الفساد الحالية هي جزء من الصراع الدائر على السلطة بينها وبين الحكومة. لاشك أن مجريات الأحداث في تركيا ستشكل ضربة لـ«النموذج التركي» الذي كان يوصف في بلدان «الربيع العربي» بالنموذج الإسلامي المعتدل للديمقراطية، فأردوغان يطلق سهامه للخارج بينما بيته ينهار من الداخل بدءاً باحتجاجات ميدان «جيزي» في مايو 2013 وصولاً لقضية الفساد والإجراءات الحكومية الهادفة للسيطرة على القضاء ولفرض قيود على استخدام الإنترنت، فالتطورات الأخيرة خاصة قضايا الفساد أضرت بسمعة حكومة أردوغان وحزب «العدالة والتنمية» لدى الناخب التركي على أبواب الانتخابات البلدية في أبريل القادم والرئاسية في أغسطس. لقد تدحرجت فضيحة الفساد من إسطنبول إلى طهران، في فضيحة «الغاز والنفط مقابل الذهب» ومن إسطنبول إلى طهران ستبقى للحديث بقية.