عندما يلقي أوباما خطاب الأمة هذا الشهر، فإنه بالتأكيد سيسلط الضوء على قضية تزايد عدم المساواة الاقتصادية وسوف يشير كذلك إلى بعض الحلول مثل رفع الحد الأدنى للأجور. وقد يشير أيضاً إلى اتفاق الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ، الذي تتفاوض إدارته بشأنه مع إحدى عشرة دولة من الدول المطلة على المحيط الهادئ، ويحث على التحرك لإصدار تشريع سريع من شأنه الحد من مساهمة الكونجرس في صياغة الاتفاق حتى يتسنى التصديق عليه بسهولة. وإذا تمكن أوباما من تحقيق الأمرين – الرثاء لتزايد عدم المساواة والترويج لاتفاق تجارة حرة آخر- فإن خطابه سيقدم فصلاً من تاريخ إنكار الذات. وحتى الآن، فإن أكثر الخبراء الاقتصاديين «اليمينيين» تصلباً يسلمون بأن العولمة قد لعبت دوراً رئيسياً في فقدان الوظائف خاصة في مجال التصنيع الأميركي، وبشكل أعم، ظهور حالة من الركود في الدخول والأجور الأميركية. وذكر «آلان بلندر»، النائب السابق لرئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي أن 22 – 29 بالمئة من الوظائف الأميركية قد تذهب إلى خارج البلاد. يعد هذا كماً كبيراً من الوظائف، حيث إن 25 بالمئة من الوظائف يمكن أن تترجم إلى 36 مليون عامل تتنافس أجورهم مع أجور آخرين يعملون في دول ذات دخول منخفضة إلى حد كبير. ومن بين الـ11 دولة التي تتفاوض الولايات المتحدة معها بشأن اتفاق الشراكة، توجد تسع دول ذات مستويات أجور أقل بكثير من بلادنا. اتفاقيات التجارة التي تشجع على نقل مصانع الشركات الأميركية إلى دول مثل الصين والمكسيك، قد لعبت دوراً محورياً في نزع أحشاء التصنيع الأميركي، وتدني أجور العمال الأميركيين. ووفقاً لتقارير مكتب إحصاءات العمل، فإن عاملين من بين كل ثلاثة عمال ممن حصلوا على وظائف جديدة في الفترة بين عامي 2009 و 2012 قد انخفضت أجورهم بنسب بلغت أكثر من 20 بالمئة بالنسبة لمعظمهم. ولكن قد تكون الحجة الأكثر تدميراً ضد هذا النوع من اتفاقيات التجارة التي دخلتها الولايات المتحدة على مدار الربع قرن الماضي هي تلك التي أنشأها بلا قصد المدافعون عن هذا النوع من الاتفاقيات والذين استغلوا الذكرى العشرين لاتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) - والتي دخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير، 1994 - للاحتفال بإنجازاتها. لقد قرأت العديد من المقالات الافتتاحية التذكارية، والأعمدة والخطب التي تمدح اتفاقية «نافتا»، ولكن أياً منها لم يذكر تأثير هذه الاتفاقية على التوظيف في الولايات المتحدة، أو الأجور أو الميزان التجاري. وفي شهر أكتوبر، قام الرئيس السابق للبنك الدولي روبرت زوليك، والذي كان أحد مهندسي اتفاقية «نافتا» في إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، بعمل تقييم مطول ومشرق للإنجازات التي حققتها اتفاقية «نافتا» لكنه تجنب أياً من هذه النقاط. أما بطلة التهرب فقد أصبحت وزيرة التجارة «بيني بريتزكر»، ففي مؤتمر عقد بـ«سان دييجو» في شهر أكتوبر، سألتها مراسلة الإذاعة العامة عن المجالات، التي لم تتمكن اتفاقية «نافتا» من تحقيقها، فأجابتها الوزيرة قائلة «إنني لا أفكر فيما لم تحققه هذه الاتفاقية» ورغم ذلك، استشهدت «بريتزكر» خلال المقابلة التي أجريت معها بإحصائية وحيدة تدافع عن الصفقة، وهي أن الحجم الإجمالي للتجارة بين دول اتفاقية «النافتا» الثلاث يتجاوز حاليا تريليون دولار سنوياً. ورغم ذلك، فقد أخفقت وزيرة التجارة في الإشارة إلى أن العجز التجاري للولايات المتحدة مع كل من كندا والمكسيك، قد ارتفع من 27 مليار دولار في 1993، أي في آخر سنة قبل توقيع اتفاقية نافتا، إلى 181 مليار دولار في 2012. ومن خلال تجنب مناقشة عواقب إبرام اتفاق تجارة من دول نامية على العمال في الولايات المتحدة، ناهيك عن الميزان التجاري لدينا، فإن المدافعين عن التجارة الحرة ينغمسون في أسوأ نوع من إنكار الحقائق. ولكن عندما يقترن الحال بالنسبة للتجارة الحرة مع قضية رفع أجور العمال الأميركيين، فانه يدخل في منطقة حيث تهم عدد الاتفاقيات والحياة الحقيقية للأميركيين. وفي هذه المنطقة، فإن الجدل حول هذا النوع من اتفاقيات التجارة الحرة التي تجسدها اتفاقية نافتا، والعلاقات التجارية الطبيعية الدائمة مع الصين واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ تنفجر تماماً. مثل هذه الاتفاقيات تزيد من دخول الأميركيين الذين يستثمرون بالخارج بينما تقلل من دخول الأميركيين العاملين في بلادهم. إنهم يساهمون في زيادة حالة عدم المساواة سوءا، هذه الحالة التي يشن الرئيس حملات ضدها بحق. هناك وسائل يمكن لدولة متقدمة أن تتاجر من خلالها مع العالم النامي من دون الإضرار باقتصادها. لقد تمكنت ألمانيا على سبيل المثال من الحفاظ على عمالها، ليس فقط من خلال الاستفادة من الاحتفاظ بـ«اليورو» كعملة لها، ولكن أيضاً من خلال مطالبة شركاتها منح موظفيها الحق في الإدلاء بآرائهم في القرارات الاستثمارية الخاصة بالشركة التي يعملون بها ومن خلال تبني شكل من أشكال الرأسمالية حيث لا يلعب المساهمون دوراً رئيسياً. وإذا تبنت الولايات المتحدة هذا الشكل من الرأسمالية، فان اتفاقيات التجارة الخاصة بها لن تتم بالضرورة على حساب عمالها. ومع ذلك، فإذا غابت هذه الإصلاحات فان اتفاقيات التجارة سوف تلغي المحاولات التي نبذلها للحد من عدم المساواة. وفي وقت سابق، أكد وزير الخارجية «جون كيري» إن الشراكة عبر المحيط الهادئ تسعى لتوليد النمو الاقتصادي وتأمين وظائف جديدة من خلال إطلاق موجة من الاستثمارات وتطوير الأعمال في جميع أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وأشار إلى أن اتفاقية التجارة والاستثمار ستكون مفيدة للشركات، والعمال، والاقتصاد، والاستقرار، والعلاقات بين الدول. هارولد ميرسون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ - محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيوفس »