في السابع من شهر فبراير المقبل ستنطلق الألعاب الأولمبية الشتوية بمنتجع سوتشي الروسي، حيث سيكون على موسكو مواجهة العديد من التحديات التنظيمية لإنجاح التظاهرة الكبرى، وعلى رأسها التحدي الأمني الذي لاشك أنه يلقي بظلاله الثقيلة على المسؤولين الروس، إذ لا نجاح للألعاب في ظل حوادث أمنية أو إرهابية تنغص على الوفود المشاركة حضورها وتحرم الجمهور من متعة المشاهدة الآمنة. ومع أن الألعاب الأولمبية الشتوية لا ترقى من حيث المتابعة والاهتمام الإعلامي إلى نظيرتها الصيفية التي تحظى بشهرة أوسع ومتابعة أكبر من قبل الجماهير، إلا أنها مع ذلك تظل ألعاباً أولمبية لها جمهورها الخاص وتنال حقها من التغطية الإعلامية. ورغم أن عدد الدول المشاركة في الألعاب الشتوية لا يتعدى ثمانين بلداً، مقارنة مع أعداد أكبر في الألعاب الأولمبية الصيفية، إلا أنها تظل احتفالية رياضية كبرى ومناسبة مهمة لالتقاء شعوب مختلفة حول المنافسة وإحراز التفوق، وهي لذلك تسترعي انتباهاً إعلامياً واسعاً وتكتسي أبعاداً سياسية مهمة، لاسيما وأن دورتها لهذه السنة تنظم بروسيا. ولعل أول ما يؤرق بال المنظمين في روسيا ويقض مضاجعهم التهديد الإرهابي الذي قد يستهدف الألعاب، خاصة في ظل استهداف مدينة فولجوجراد في 29 و30 ديسمبر الماضي بعمليتين إرهابيتين، وهي المدينة التي تبعد حوالي 700 كلم عن سوتشي، ما يثير مخاوف حقيقية من احتمال تكرار عمليات مماثلة قد تطال هذه المرة الوفود المشاركة، أو المرافق الرياضية التي ستحتضن التظاهرة. ففي الوقت الذي يسعى فيه بوتين إلى استعراض مكانة روسيا من خلال التنظيم الجيد والمحكم للألعاب الأولمبية وتوظيف التظاهرة الرياضية لتأكيد مكانة روسيا العالمية، والانتقام ربما من ألعاب موسكو في العام 1980 عندما تعرضت لمقاطعة دولية واسعة، فقد تشكل الألعاب أيضاً فرصة لأعداء روسيا وخصوم بوتين لنسف أحلامه وإفشال الألعاب الأولمبية، ما سيمثل ضربة قوية له ولأهدافه الكبرى، لاسيما أن الألعاب التي تحظى بمتابعة جماهيرية واسعة وتستقطب وسائل الإعلام العالمية تشكل فرصة مناسبة للإرهابيين لتوجيه ضربتهم والترويج لتحركاتهم، بل وشد انتباه العالم لمطالبهم، لكن رغم التهديد الإرهابي واحتمال استهداف الألعاب الأولمبية الشتوية بسوتشي، تبقى الاستعدادات الأمنية الروسية رفيعة المستوى والإجراءات المتخذة متشددة أصلاً ما يصعب من عملية الاختراق الأمني. فمعروف مثلاً التصريحات التي سبق أن أدلى بها أمير القوقاز، دوكو عمروف، وتهديده بضرب مقر الألعاب والسعي لإفشال التظاهرة الرياضية، وهو الذي تبنى العمليتين اللتين استهدفتا المطار ومدينة موسكو في عام 2010 وخلفتا على التوالي 37 و40 قتيلاً، لذا ليس التهديد الإرهابي بالأمر الطارئ أو المفاجئ، وقد تعودت السلطات الأمنية الروسية على وجوده وطريقة التعامل معه. هذا بالإضافة إلى الموقع الجغرافي لسوتشي نفسها في القوقاز باعتبارها منطقة مضطربة شهدت حروباً وحملات عسكرية متعددة وتنشط بها جماعات متمردة تسعى للاستقلال عن روسيا. وهناك بالذات يأتي هدف بوتين الذي يريد أن يثبت للعالم أن الأمور هادئة، ليس فقط في الشيشان، بل أيضاً في عموم القوقاز، وأن المنطقة بأسرها تحت السيطرة، ولا أدل على ذلك من إنجاح التظاهرة الرياضية ومرورها بسلام دون حوادث أمنية. بيد أن الخطر الإرهابي لا يقتصر على مكان دون غيره ولا يهدد روسيا لوحدها، بل يكاد يتحول العامل الأمني إلى هم مشترك يشغل بال منظمي التظاهرات الرياضية في كل البلدان، فالألعاب الأولمبية بما تمثله من مناسبة رياضية كبرى تستقطب اهتماماً دولياً وجماهيرياً واسعاً، بل وتنتقل إلى مكان تنظيمها وفود غفيرة وجموع كثيرة من مشجعي الرياضة، تتحول إلى هدف هش للإرهاب، لذا ما أن يُسدل الستار على إحدى التظاهرات الأولمبية حتى يتنفس البلد المستضيف الصعداء، وهو ما جرى بالفعل في الألعاب الأخيرة بلندن بعد أن مرت بدون حوادث تذكر ولم يُسجل أي طارئ أمني، كما أن الصينيين خلال الألعاب الأولمبية ببكين شددوا الإجراءات الأمنية إلى درجة أن البعض انتقد السلطات لأنها حدت من حرية التنقل ومست بحقوق الناس، والحقيقة أنه منذ دورة الألعاب الأولمبية الشهيرة في ميونخ عندما تعرض الوفد الرياضي الإسرائيلي للاختطاف، ما فتئ العالم ينظر بتوجس إلى تلك المناسبات ويسعى إلى تهيئة الأجواء المواتية لإنجاحها وعدم تكرار الحوادث الأمنية الأليمة. وفي عام 2002 خلال الألعاب الشتوية بمدينة «سالت ليك سيتي» بالولايات المتحدة، تحولت القرية الأولمبية إلى ثكنة عسكرية حقيقية. أما بالنسبة لألعاب أثينيا في 2004 فقد كان الوفد الأكبر المشارك في التظاهرة الرياضية هم قوات حلف شمال الأطلسي التي انتشرت بكثافة لحماية التظاهرة، لاسميا وأن هجمات 11 سبتمبر كانت ما زالت عالقة في الأذهان. وبالطبع يصاحب الإجراءات الأمنية المكثفة إنفاقاً مالياً ضخماً على التأمين والحماية، حيث انتقلت موازنة الأمن في ملف ترشيح أثينا من 145 مليون دولار على الورق إلى 1.8 مليار يورو على الأرض بعدما نشرت السلطات 70 ألفاً من قوات الأمن لتأمين المرافق، والأمر نفسه ينطبق على الألعاب الأولمبية في لندن التي شهدت مشاركة 25 ألف جندي ورجل أمن في عملية تأمين محكمة. ورغم أن النسخة التشوية للألعاب الأولمبية تكون عادة أقل في إجراءاتها الأمنية من نظيرتها الصيفية التي تشهد إقبالاً أكبر، إلا أنها مع ذلك ستكلف روسيا 1.4 مليار يورو وسيتم فيها نشر أكثر من 40 ألف رجل أمن. وبالنظر إلى هذه الإجراءات الأمنية المشددة واستمرار خطر الإرهاب، فإنه على دول العالم أن تتعود على التهديدات الأمنية لدى تنظيم الألعاب الأولمبية، أو أياً من التظاهرات الرياضية الأخرى، وتعد نفسها لكلفة مالية باهظة وانتشار أمني واسع علَّها تنجح في كبح خطر الإرهاب والتغلب عليه وتضمن لعشاق الرياضة فرجة ممتعة ومشاهدة آمنة.