يدور النقاش الساخن المحيط بموظف وكالة الأمن القومي السابق "إدوارد سنودن"، عادة، حول موقفين متطرفين اثنين: ذلك أن البعض يعتبره بطلاً يستحق العفو، في حين يرى آخرون أن ما قام به خيانة، وينبغي أن يتلقى أشد جزاء في نظام العقوبات الأميركي. المثير للسخرية أن نظام العقوبات نفسه يجعل من تسليم "سنودن" إلى الولايات المتحدة شبه مستحيل، والسبب أن العقوبة التي يتلقاها الخائنون قد تشمل الإعدام، ذلك أن كل الدول الحليفة لنا تقريباً، والكثير من الدول الأخرى ترفض تسليم الولايات المتحدة أشخاصاً مشتبهاً في ارتكابهم لجرائم، إذا كان ثمة احتمال تعرضهم للإعدام. وهذا ما جعل وزير العدل الأميركي يكتب رسالة إلى نظيره الروسي العام الماضي، بخصوص حالة "سنودن"، يقول فيها إنه لن يطالب بإصدار عقوبة الإعدام في قضيته. وقد كان الهدف من وراء الرسالة، التي تتهم "سنودن" بالسرقة والتجسس، هو إزاحة عائق عقوبة الإعدام من طريق تسليمه للولايات المتحدة. وأضاف "هولدر" موضحاً أن "الولايات المتحدة لن تطالب بعقوبة الإعدام حتى في حال وُجهت لسنودن تهمة ارتكاب جرائم إضافية يعاقَب عليها بالإعدام". والواقع أن "سنودن" ليس أول هارب أميركي يتلقى تعهداً بالنجاة من عقوبة الإعدام، ذلك أنه في قضايا عديدة، تنخرط الولايات المتحدة دبلوماسياً مع بلدان أخرى من أجل توفير ضمانات على أن بعضاً من أشنع الجرائم التي ارتكبها هاربون في الخارج لن تكون موضوع عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة. وتلك هي الطريقة الوحيدة عادة لتسليم أولئك المجرمين – وبعضهم متهم بالإرهاب – إلى الولايات المتحدة من أجل مواجهة العدالة. ونتيجة لذلك، يصبح لدينا نظام عقوبات مزدوج بالنسبة لمن يرتكبون جرائم شنيعة في حق الأميركيين: واحد لأولئك الذين يُقبض عليهم في الولايات المتحدة، مثل منفذ هجوم أوكلاهوما "تيموثي ماكفي"، الذي أُعدم بواسطة حقنة مميتة؛ وآخر لمن يُقبض عليهم خارج التراب الأميركي، مثل أبو حمزة، الإسلامي الذي أُبقي عليه في بريطانيا لقرابة ثماني سنوات قبل أن يتم تسليمه للولايات المتحدة أخيراً من أجل مواجهة تهم تتعلق بالإرهاب. فحتى في حال تبين أن أبو حمزة مذنب، فإنه لن يواجه عقوبة الإعدام أبدا. ولو أن قوات غير أميركية قبضت على بن لادن حياً، فإن تسليم هذا الأخير إلى الولايات المتحدة كان سيتعذر ربما. ذلك أنه خلال ملاحقة بن لادن في 2001، حذر وزير الدفاع البريطاني "جوف هون" الحكومةَ الأميركية من أنه في حال وجدت القوات البريطانية المطلوب الأول في العالم، فإنها ستطلب من الولايات المتحدة قبل تسليمه ضمانات على أنها لن تطالب بعقوبة الإعدام في حقه. وعلاوة على ذلك، فإن عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة تخلق أيضاً واقعاً عكسياً، يتمثل في أنه كلما زادت الجريمة شناعة، كلما قل احتمال أن يواجه هارب في بلد أجنبي عدالة سريعة في الولايات المتحدة. وكلما كانت الجريمة أقل خطورة – سرقة سيارة، على سبيل المثال – كلما زاد احتمال تسليمه. فـ"إذا سرقت سيارة في الولايات المتحدة، فإن المكسيك ستعيدك لتواجه المحاكمة والعقوبة. أما إذا قتلت السائق، فإن المكسيك ستوفر لك الحماية". ومن بين الأسئلة التي على كل الأميركيين اليوم أن يطرحوها بشأن عقوبة الإعدام: لماذا نضيع فرصتنا في تسلم مجرمين معروفين يعيشون في الخارج؟ وهل من العدل أن يكون لدينا نظام عقوبات ينص على استثناء بالنسبة لأكثر الجرائم والمجرمين شناعة ولا استثناء بالنسبة للمجرمين الذين يُقبض عليهم داخل التراب الأميركي؟ ولماذا الحفاظ على حافز لأعمال إجرامية ضد الولايات المتحدة ومواطنيها في الخارج، والإبقاء في الوقت نفسه على العقوبة القصوى بالنسبة لمن يرتكبون أعمالا مماثلة داخل البلاد؟ إن مجتمعنا الأكثر اندماجاً مع العالم في حاجة متزايدة إلى عدالة سريعة ومؤكدة؛ غير أنه سيكون من الصعب تحقيق ذلك طالما ظلت عقوبة الإعدام ضمن قوانينا. ------ ماركوس كونالاكيس باحث أميركي وزميل مؤسسة "هوفر إنستيتيوشن" في كاليفورنيا ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"