مما يذكر في الأدب العربي أن نفراً من العميان وهم في طريقهم اصطدموا بجسم غريب، فلما أفاقوا من صدمتهم حاول كل واحد منهم شرح حقيقة الجسم الذي مر به فقال أحدهم وقد استخدم أغلظ الإيمان أن ما صدمهم كان ثعباناً كبيراً، تعجب الثاني من قسمه وقال بل هو عمود صلب، صرخ الثالث محتجاً على كلامهم بقوله أنتم فعلاً عميان وليس عندكم إحساس، لقد كان جسماً طرياً... تكلم رابعهم بشيء من الغضب، بل كان صلباً مؤلماً، اختلفوا في أمرهم وقادهم اختلافهم إلى خلاف، كاد أن يتحول إلى حرب بينهم، لكنهم قرروا في نهاية أمرهم الاحتكام إلى رجل مبصر كان قريباً منهم. سألوه بكل صراحة، وكان كل واحد منهم قدم دليلاً على صدق إحساسه حول الجسم الذي صدمهم، كم كانت المفاجأة كبيرة لهم عندما علموا أنهم يتكلمون عن حيوان واحد، لكن كل واحد منهم كان يصف الجانب الذي مر به، وهو صادق في وصفه، لكنه أخطأ الصورة الكلية لقد كانت ضالتهم هو الفيل، لكنهم كادوا أن يقتتلوا فيما بينهم، لأنهم لخصوا هذا الحيوان الضخم في الجزء الذي أدركته حواسهم. قد يستغرب بعضكم العلاقة بين عنوان المقال والقصة الافتتاحية له، نعم إنني أتكلم عن الإسلام الذي جاء به خير الأنام، محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، رحمة للعالمين. كما لخص ذلك ربنا سبحانه وتعالى في قوله «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، لكن هذه الرحمة انحرف البعض في فهمها، لأنهم ركزوا على جزء منها فخربوا جمال كمالها. الإسلام عند البعض للأسف الشديد هو في القتل، ويستشهدون بأحاديث مثل جئتكم بالذبح وآيات القتل، وقد أخرجوا هذا الحديث، وهذه الآيات عن مكانها وزمانها، فاستحلوا دماء من خالفهم جهلاً منهم بخطورة الدماء عند الله تعالى، فحسابها عند الله عظيم. وثمة مثال آخر لجهل بعض المسلمين بدينهم، يتمثل في نظرتهم للمرأة، فهم لا يحفظون إلا حديث «قاصرات عقل ودين»، «وما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، مثل هذه الأحاديث عندما يتخذها البعض وسيلة لفهم المرأة متجاهلين ما ورد في حقها من أحاديث وآيات قرآنية، يظهر الخلل في النظر إليها، فقد حرمها البعض من أبسط حقوقها تحت هذا الفهم القاصر. ولم يتأمل هؤلاء في الأدوار المتميزة للمرأة في زمن النبوة والخلفاء الراشدين. لقد كان لها من الفضل ما جعل نبي هذه الأمة يوصي بها في حجة الوداع، فكان منهن العلماء والأطباء والوزراء. لكننا شوهنا صورة ديننا عندما حفظنا بعض الأحاديث التي تناسب ذوق بعضنا، متجاهلين أحاديث وآيات واضحة تخالف وجهة نظرنا، بل إن الواقع يقول لنا ما يخالف فهم بعضنا، فمن ينسى أن مارجريت تاتشر أفضل من قاد المملكة المتحدة في العصور الراهنة حسب الدراسات المنشورة حديثاً، وأفضل من يقود ألمانيا اليوم امرأة. البعض منا أعجبه من الإسلام الذِكر، حتى جعل الدين يتمحور حول سجادة الصلاة، ونسي نداء الخالق سبحانه، فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض، وابتغوا من فضل الله. عند البعض الإسلام زهد وتقشف، حتى أصبح رهبانية ابتدعوها لم تفرض علينا، لكن البعض جعلها الإسلام الذي لا يدخل الجنة من لم يقم بها، كل هؤلاء وأمثالهم شوهوا بعقولهم القاصرة الصورة الكاملة للإسلام، عندما حجروا على عقولهم وفهموا رسالة السماء بما يتناسب مع نفسياتهم وتأملاتهم، وليس كما جاء به نبي هذه الأمة عليه أفضل الصلاة والسلام. ما أحوجنا في هذه الأيام لمراجعة فهمنا لديننا، فقد انتشر العلم، ولم يعد مقبولاً الجهل بحقيقة ديننا التي يحاول البعض تشويهها.