سياسة فرنسية جديدة في أفريقيا.. وثورة صعبة ثانية في سوريا الخطوط العريضة لسياسة الرئيس فرانسوا أولاند الأفريقية، وحرب الثوار السوريين ضد جماعة «داعش» المتطرفة، وأبرز التحديات على أجندة عام 2014 الاستراتيجية، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. فرنسا.. وأفريقيا في صحيفة ليبراسيون نشر فريدريك لوجيال الكاتب المتخصص في الشؤون الأفريقية ورئيس تحرير مجلة «رسالة القارة»، مقالاً حلل فيه التغيير الجوهري الذي أحدثه أولاند على سياسة بلاده تجاه القارة السمراء، وخاصة بالمقارنة مع سياسة «فرانس - آفريك» التدخلية اليمينية المثيرة للجدل، التي كان يتبناها سلفه في الإليزيه نيكولا ساركوزي. وقد وعد أولاند منذ مجيئه إلى السلطة بتطبيع علاقات فرنسا مع القارة وتجاوز بعض خطوط وممارسات سياسة اليمين التقليدية، التي يحلو لليسار الفرنسي عادة وصفها بأنها ذات ملامح استعمارية. وقد لوحظ فعلاً في حكومة الاشتراكيين تغير حتى على مستوى المفاهيم فلم يعد الحديث عن «وزارة التعاون» التي كانت تطبخ سياسات باريس تجاه أفريقيا، في أيام ساركوزي، بل تولت مهمة هذا العمل «وزارة التنمية» وهي معنية بالعالم كله وليس القارة الأفريقية وحدها. وكذلك بدلاً من الحديث عن قمة تجمع «فرنسا- أفريقيا» لوحظ أن القمة الأخيرة التي استضافتها باريس في يومي 6 و7 ديسمبر الماضي سميت «قمة الإليزيه من أجل السلم والأمن في أفريقيا». وفي ذات الوقت أيضاً جرى تحول حتى على طواقم الرجال العاملين على الملفات الأفريقية حيث لوحظت غلبة لمتخصصين في شؤون أفريقيا الأنجلوفونية على غير العادة. ولكن يرى الكاتب أنه على رغم هذا التغير في البنية السياسية وفي الأسماء ما زالت هنالك أيضاً بعض بقايا العهد السابق في التعامل مع الشأن الأفريقي، كما أن باريس تعلق كثيراً من الآمال على شراكاتها مع دول القارة وتعتبر حسب ما قال أولاند أنه: «بفضل أفريقيا، أصبحت فرنسا هي أكبر القوى المتوسطة» على المسرح الدولي. وهو ما يعني أن التخلي عن نفوذها هناك ليس مطروحاً، لأن معناه بالمفهوم الجغرافي السياسي تراجع دور وحضور فرنسا في موازين السياسة الدولية. وقد بدا حرص أولاند أيضاً على عدم مسح الطاولة وطي الصفحة تماماً حتى خلال أيام استلامه الأولى للمنصب، حيث استقبل بعض الرؤساء الأفارقة الناطقين بالفرنسية، الذين جاؤوا للتواصل مع «زعيم القرية» الجديد، بحسب التقليد الأفريقي. وفي لحظات صعبة تالية أثبت أولاند أيضاً التزامه بكل تعهدات بلاده السابقة لحلفائها وشركائها الأفارقة حين استجاب لدعواتهم بمساعدة مالي في حربها الطاحنة ضد الجماعات الإرهابية والمنظمات المتطرفة التي سيطرت على الجزء الشمالي من تلك الدولة لعدة أشهر. وكان التدخل الفرنسي في ذلك النزاع حاسماً وقوياً وانتهى بطرد جماعات ومنظمات التطرف والإرهاب، وإجراء انتخابات رئاسية تكشفت عن اختيار رئيس شرعي، يعمل الآن بدعم من باريس ودول الجوار الإقليمي على تطبيع وتكريس الاستقرار في بلاده. وكانت المهمة الفرنسية هناك نموذجاً لشراكة باريس الإيجابية مع دول القارة الأفريقية. وفي ذات الاتجاه من الشراكة أيضاً جاء التدخل الفرنسي مؤخراً لإعادة الاستقرار، أو على الأقل منع نشوب حرب أهلية في جمهورية أفريقيا الوسطى. وفي كلتا الحالتين تقدم أداء فرنسا العسكري على مقاربات الشراكة الاقتصادية التي تتبناها تجاه القارة. وفي هذا السياق يرى الكاتب أن الحضور العسكري الفعال يعوض التراجع الاقتصادي الفرنسي في أفريقيا. وهو حضور يمكن إدراجه في الغالب تحت تفويض شرعي من الأمم المتحدة. وقد أعادت هذه التدخلات بصفة خاصة زخماً من الشعبية لأولاند، وإن كانت قد فرضت عليه أيضاً التخلي عن بعض تقاليد العقيدة الاشتراكية في التعامل مع قادة أفارقة معينين غير محببين عادة لدى اليسار الفرنسي، ولكن فرضت المصلحة إعادة تأهيلهم سياسياً والتعامل معهم بذاكرة جديدة من أجل تحقيق أهداف السياسة الفرنسية في القارة السمراء. سوريا.. الثورة الثانية نشرت صحيفة لوموند مقالاً للكاتبة «هيلين سالون» تحت عنوان «في سوريا.. الثورة الثانية للمقاتلين»، قالت فيه إن الثوار السوريين يعتبرون الآن أنهم يخوضون غمار مواجهات «ثورة ثانية» بدأت عملياتها في 3 يناير الجاري بمدينة حلب في شمال البلاد، ولكن ليس هدفها هذه المرة قوات نظام الأسد، وإنما مسلحو الجماعات المتطرفة وخاصة ما يسمى تنظيم «دولة العراق والشام الإسلامية» المعروف اختصاراًَ باسم «داعش». وهو تنظيم ظهر في ربيع العام المنصرم ومرتبط ببعض الجماعات المتطرفة في العراق، المحسوبة على «القاعدة». وقد تمكن ذلك التنظيم المتطرف الذي يعد ما بين 5000 و6000 آلاف مقاتل من نشر العنف والفوضى وتمكن بما توافر له من أسلحة وأموال من فرض أجواء من الرعب والإرهاب في المناطق التي سقطت من سيطرة نظام الأسد. ومنذ أسبوع دخل الثوار السوريون في حالة حرب حقيقية ضد مسلحي «داعش» سقط فيها حتى الآن قرابة 500 شخص في شمال البلاد، بحسب ما أعلنت مساء يوم الجمعة الماضي إحدى المنظمات غير الحكومية تدعى «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية أدلى به مديرها رامي عبدالرحمن، وقال فيه: «لقد تأكدنا من مقتل 482 شخصاً بسبب المعارك: 240 من كتائب الثوار، و157 مقاتلاً من داعش، و85 مدنياً». واعتبرت الكاتبة أن الوصول إلى هذه الحالة التي دخل فيها الطرفان في حرب مفتوحة سببه تدهور العلاقة بينهما وممارسات «داعش» العنيفة. ومنذ صيف العام الماضي يتهم التحالف السوري المعارض ومجموعات الثوار تنظيمَ «داعش» بالتواطؤ مع النظام واستهداف الثوار وأماكن تواجدهم في المناطق الثائرة غير الخاضعة لسيطرة جيش الأسد. ووراء هجوم الثوار الحالي الرامي للتخلص من ذلك التنظيم الإرهابي تكمن أيضاً أهداف أخرى من ضمنها ضرورة السيطرة على الأجزاء الشمالية من البلاد المحاذية للحدود التركية وذلك لكونها تعد منافذ استراتيجية لتموين مجموعات الثوار في صراعها ضد نظام دمشق. تحديات 2014 الكبرى تحت هذا العنوان كتب بيير روسلين افتتاحية في صحيفة لوفيجارو قال فيها إن السنة الجيوبوليتيكية التي بدأت الآن لا يبدو أنها ستكون أسهل أو أقل تحديات من السنة السابقة. فهنالك الآن منطقتان حيويتان من العالم تمران بحالة عدم استقرار مثيرة للقلق، وهما منطقة الشرق الأوسط التي تعصف بها تداعيات ما سمي «الثورات العربية» وتراجع الالتزام الأميركي فيها، ومنطقة جنوب شرق آسيا، حيث تتصاعد التواترات بين الصين واليابان. وفي تحليله المتصل بالمنطقة الشرق أوسطية خاصة قال إنه يمكن للمفاوضات الجارية مع إيران بشأن برنامجها النووي أن تسهم في تغيير بعض المعادلة الإقليمية. ولكن في أي اتجاه؟ من هنا وحتى العام المقبل سنعرف إن كان التوصل إلى اتفاق مع طهران أمراً ممكناً، وأيضاً إن كان رهان أوباما على إمكانية دمج إيران في التوازنات الإقليمية رهاناً قابلاً للكسب في النهاية. وهل سيجلب هذا مزيداً من الاستقرار؟ يتساءل الكاتب، مجيباً: في الظرف الراهن التصور سلبي. فبعد انتعاش وضع نظام الأسد، وأسلمة القوى الثورية، تحول الصراع السوري شيئاً فشيئاً إلى نزاع سُني - شيعي، وضع القوى المؤيدة لكلا الجانبين المتصارعين داخل سوريا في مواجهة بعضها بعضاً. وبعد الهجوم على السفارة الإيرانية في 19 نوفمبر الماضي، واغتيال الوزير السابق محمد شطح في بيروت، بدا واضحاً أن هذه الحرب لم تبدأ بالأمس القريب، كما أن حدودها لا تتوقف على دولة واحدة. ومع هذا فإن لبنان خاصة يكاد يرتمي في آتون عين العاصفة. ولهذا تواصل بعض الدول الإقليمية دعمه في وجه التدخلات الخارجية، ومن ذلك مثلاً المساعدة الكبيرة التي لقيها الجيش اللبناني مؤخراً. وفي بقية منطقة الشرق الأوسط الأخرى لا يبدو المشهد مطمئناً أيضاً، بعد ثلاث سنوات مما سمي «الثورات العربية»، ففي تونس مثلاً لا تزال محاولات الخروج من الأزمة السياسية المزمنة متواصلة، فيما ترتمي ليبيا في آتون فوضى عارمة امتدت تداعياتها إلى منطقة الساحل الأفريقي في الجنوب. وفي مصر تبدو المبادرات السياسية أكثر إيجابية، فقد تمكنت البلاد في النهاية من طي صفحة الديكتاتورية الثيوقراطية التي حاول «الإخوان» فرضها بدعم من الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية الأخرى. وسيكون تنظيم انتخابات رئاسية في شهر أبريل فرصة لانطلاق عهد سياسي جديد يحقق لمصر تطلعاتها، وأهداف ثورتها الحقيقية. إعداد: حسن ولد المختار